أخبار عاجلة
“إينولا هولمز 2”..غموض وسحر وتألق أنثوي

“إينولا هولمز 2”..غموض وسحر وتألق أنثوي

متابعة بتجــرد: كل من شاهد فيلم «إينولا هولمز» قبل عامين، تشوّق لمشاهدة الجزء الثاني الذي عرضته حديثاً منصة «نتفليكس»، وكل من أحب هذا العمل بكل ما فيه وخصوصاً بطلته، جدد إعجابه هذه المرة، بل زاد عليه إشادة مستحقة بقدرة المخرج والمؤلفين على استكمال سلسلة الإبهار، فتشعر وكأنك أمام مسلسل موصول لم يفصل بين جزأيه الأول والثاني لا البعد الزمني (2020/ 2022)، ولا الكتابة ولا الرؤية الإخراجية ولا أداء الممثلين وقدراتهم. «إينولا هولمز 2» منافس قوي وشرس لإينولا هولمز الأول، يتفوق عليه في بعض النقاط ولا شيء يضاهيهما في الدقة والإتقان والسلاسة، بل هناك في التفاصيل الكثير من السحر والجمال الذي يجذبك للوقوف أمامه والتحدث عنه مطولاً.

إينولا شخصية أحبها الجمهور لأنها مميزة، عرفها بطلة سلسلة روائية (6 كتب حتى الآن) كتبتها نانسي سبرينجر، قبل أن يعيد كتابتها سينمائياً جاك ثورن بالمشاركة مع المخرج هاري برادبير. قد تكون النموذج السينمائي الأنثوي الفريد الذي استطاع منافسة المحققين الأشهر في تاريخ الروايات والقصص البوليسية، تقف بجانب شرلوك هولمز والمحقق بوارو، وتتفوق على «ملائكة شارلي» وكل الحسناوات اللاتي عرفتهن السينما العالمية، لأنها شخصية لا تعتمد على شكلها الأنثوي ولا على المهارات القتالية الخرافية، رغم أنها تدربت على القتال البدني «جوجيتسو»، ولا يديرها عقل مدبّر آخر، بل هي تمتلك كل مهارات المحققين السريين وقدرتها على التحليل وفك ألغاز الجرائم والبحث عن المفقودين، بالإضافة إلى مواصفاتها الأنثوية الهادئة «غير الصارخة»، وتعاطف الجمهور معها كونها صغيرة في السن (16 عاماً في الجزء الأول والمفروض أنها بلغت ال 18 في هذا الجزء).

في مواجهة الذكور

إينولا شخصية من لحم ودم ومشاعر، ليست فتاة خارقة ولا خيالية، مثالية أحياناً، لكنها ترتكب الأخطاء وتفشل وتُخدع وتعيد حساباتها وتنهض مجدداً وتتحلى بالإصرار والعزيمة ولا تستسلم. تريد أن تحقق ذاتها من دون مساعدة أحد، وتجد نفسها في مواجهة المجتمع «الذكوري» الذي لم يعتد بعد على منح الثقة للمرأة والاعتراف بقدرتها على إدارة شؤونها وشؤون الناس والثقة بقدرتها على التحري، وهو ما تكتسبه من طبيعة والدتها المتمردة أودوريا هولمز وما زالت تؤديها هيلينا بونهام كارتر. إذاً هذا التميز كفيل بجعل إينولا شخصية محبوبة ومرغوبة من قبل الجمهور بمختلف فئاته، إضافة إلى كون إينولا التي تجمع الرقة والصلابة في آنٍ، وبمواصفات وملامح الممثلة التي تجسدها ميلي بوبي براون الرومانسية القريبة من القلب، قادرة على أسر قلوب المشاهدين، ما يضاف إلى أسباب نجاح الفيلم وجعله جماهيرياً، ومن الأعمال التي يمكنك مشاهدتها أكثر من مرة، والتي تعيش في ذاكرة وأرشيف السينما لسنوات طويلة.

بلا مقدمات

يتعمد المخرج هاري برادبير وبذكاء شديد الانطلاق بأحداث الفيلم الجديد بمشهد هروب إينولا من رجلي شرطة، وكأننا توقفنا عند حدث ما ونعود لمتابعته، حركة تدخلنا في صلب الموضوع مباشرة بلا مقدمات وإطالة في الكلام، وهو بذلك يتفادى تلك المحطات الكلامية الكثيرة التي اعتمدها في فيلمه الأول، ما يجعل «إينولا 2» أقل ثرثرة وأكثر حركة وفعلاً وتشويقاً. وهنا تكمن أساسيات تميز الجزء الثاني عن الأول، وجعله أفضل منه إلى حدّ ما، ناهيك عن الملاحظة التي يدوّنها المخرج في بداية العمل والتي تنوّه بأن بعض أحداث هذه القصة حقيقي، ولتكون هذه العبارة هي الخيط الرابط بين البداية والنهاية، حيث نكتشف في المشهد الختامي الأول؛ لأن المخرج يعتمد ختامين للفيلم، أحدهما يختتم به أحداث هذا الجزء، وثانيهما يكون بداية جديدة لعمل مقبل بلا شك، أن الفتاة «اللغز» في هذه القصة هي فتاة حقيقية كانت عاملة في مصنع للكبريت في لندن، ثم تحولت إلى أيقونة. اسمها سارة تشابمان قادت إضراباً عرف باسم «براينت وماي ماتش جيرلز» عام 1888، ومنذ ذلك الوقت، عرفت ومن كن معها من فتيات وسيدات في المصنع ومن انضم إليهن برواد «المساواة بين الجنسين والإنصاف في العمل والذين أسسوا للحركة النقابية».

إينولا التي رأيناها تركض هرباً، تتوقف لتتحدث إلى المشاهدين، كما في الفيلم الأول، في أسلوب يتميز به المخرج، لتشرح لنا ماذا يحدث ولماذا تهرب. نعود إلى الوراء، لنرى هذه الشابة وقد أسست لنفسها مكتب تحريات، لكن كل من يقصدها إما يعتبرها سكرتيرة صاحب المكتب، أو أنها تعمل لدى شقيقها شارلوك، أو أنهم يخشون تسليمها قضاياهم لأنها أنثى؛ فتقرر إغلاق المكتب في نفس اللحظة التي تصل فيها فتاة اسمها بيسّي (سيرانا سو لينج بليس) طالبة منها البحث عن أختها سارة التي اختفت فجأة.

سرقة الكاميرا

توافق إينولا وترافق الصغيرة إلى المسكن الذي يجمع الفتيات العاملات في مصنع الكبريت، ومن هنا تنطلق التحرية في عملية البحث وتتسلل كإحدى العاملات في مصنع «لايون» لتراقب وتكتشف. ميلي براون هي شريكة في إنتاج هذا الفيلم، مازالت تحافظ على تألقها وحيويتها، ومازالت تسرق الكاميرا وتخطف الأضواء رغم وجود كوكبة من الممثلين مستمرين في العمل معها منذ الفيلم السابق، على رأسهم هنري كافيل (شرلوك هولمز) الذي يمنحه هذا الفيلم مساحة أكبر ودوراً أقوى فيمارس مهنته كمحقق مشهور بشكل يؤثر في مجرى الأحداث، ويتسنى لهنري كافيل أن يقدم أداء مميزاً مانحاً الشخصية الكثير من الوقار والجدية والهدوء مع بعض الحنان، بينما يغيب الشقيق الأكبر مايكروفت الذي لعب دوره سام كلافلين، مع استمرار لوجود هيلينا بونهام كارتر (والدة إينولا وشرلوك) ولويس بارتريدج (اللورد توكسبري) وسوزان وكوما (إيديث)، بجانب شارون دونكان بروستر (ميرا تروي) والممثل من أصل هندي عديل أختار بدور الشرطي ليستارد، ودايفيد ثيوليس بدور جرايل رئيس الشرطة. تعاون شرلوك وإينولا في حل قضية اختفاء سارة وعملية اختلاس مالي كبرى يزيد من متعة التشويق، وكلما تعقدت الأمور استمتع المشاهد في محاولة ربط الخيوط ببعضها بعضاً وإعمال العقل بحثاً عن المجرم الحقيقي ومن يقف وراء عملية النصب وتهريب الأموال.

مشاهد فوتوغرافية

من اللافت أسلوب المخرج هاري برادبير في جعل البطلة هي الراوي للأحداث، يقدم بعض المشاهد من خلال صور فوتوغرافية جامدة، يضيف إليها شخصيات ويسقط أخرى بحركة كرتونية ظريفة. ولا يجعل من الراوي مجرد خلفية تسرد أحداثاً وتوضح مواقف؛ بل يوقف المشهد لتلتفت البطلة إلى المشاهدين حاكية ماذا يحدث أو تطرح عليهم خطتها وأفكارها، ثم يكمل المشهد.

البطلة لها شخصيتها فهي تشبه شقيقها الأكبر من حيث حبها لحل القضايا والتحريات، لكنها أكثر تعاطفاً مع الناس، ومشاعرها تسيطر عليها أحياناً بينما شرلوك يعلمها أن تفكر بعقلها فقط وبلا أي مشاعر؛ ورغم أنه يكبرها سناً، لكنها تعلمه دروساً أيضاً، مثل أهمية أن يجد لنفسه أصدقاء وأن يكون اجتماعياً، ما يقودنا إلى الختام الثاني للفيلم مع ظهور شخصية الدكتور جون واتسون، الذي سيلعب دوراً في حياة المحقق في الجزء الثالث.

إلى الأعلى