بين الألبوم وThe Voice.. ناصيف زيتون في زمن التيه الفني

متابعة بتجــرد: من الصعب الحديث عن ناصيف زيتون من دون التوقف عند محطّاته اللامعة التي شكّلت حالة فنية استثنائية في العالم العربي خلال السنوات الماضية. فالفنان الذي كان اسمه مرادفًا للأغنية الضاربة وللنجاح الجماهيري الواسع، يمرّ اليوم بمرحلة التيه الفني والانحدار الصادم؛ مرحلة فقد فيها مشروعه الغنائي بوصلته، وتراجع فيها الأثر الذي لطالما ميز حضوره على الساحة، لا في الأرقام فقط، بل في الوهج، والتأثير، والانتشار الذي كان يومًا سِمته الأبرز.
من ذروة النجاح إلى مرحلة التراجع
مرّت مسيرة ناصيف بمحطات نجاح متتالية جعلته من أبرز الأصوات في جيله. أغنيات مثل “بربّك”، “لرميك ببلاش”، “مش عم تظبط معي”، “فارقوني” وغيرها، كانت تحتلّ الترند وتملأ الشوارع والمقاهي وصوت السيارات. لكن ما يعيشه اليوم مختلف تمامًا.
منذ بدء طرح أغنيات ألبومه الجديد — والتي وصلت حتى اللحظة إلى ستّ: “Mi Amor”، “حلوة”، “يا مسافر”، “قمر قمر”، “مزعلا”، “إنتِ وبس” — لم تُحدث أي منها الضجة المتوقعة ولا حتى الحد الأدنى من الانتشار الذي يليق باسم ناصيف زيتون. الأغنيات صدرت، سُمعت، ثمّ اختفت، من دون أثر أو نقاش فني يُذكر، وكأن شيئًا لم يكن.
الأسباب: تكرار، غياب هوية، وتخبط في الرؤية
الخلل لا يكمن في صوته، فالصوت لا يزال حاضرًا، بل في إدارة المشروع الفني ككل.
الاختيارات الأخيرة كشفت عن تشابه لغوي كبير، ما أفقد الأغنيات عنصر المفاجأة. الجمهور الذي أحبّ ناصيف لجرأته في “نامي ع صدري” وصدق إحساسه في “مجبور”، وجد نفسه اليوم أمام أعمال تفتقر إلى العمق والتميّز. كما أنّ غياب خطة تسويقية واضحة جعل الطرح يبدو عشوائيًا ومتقطّعًا، بدل أن يكون حدثًا فنيًا مترابطًا.
تجربة “ذا فويس”.. حضور باهت على مقعد الكبار
حين أُعلن عن انضمام ناصيف زيتون إلى لجنة مدرّبي برنامج ذا فويس إلى جانب رحمة رياض وأحمد سعد، ظنّ كثيرون أن وجوده سيكون قيمة مضافة للبرنامج، خاصة وأنه يعيش أول تجربة تلفزيونية من هذا النوع.
لكن إطلالته في الحلقة الأولى جاءت باهتة، افتقرت إلى الكاريزما التي عُرف بها على المسرح. لم يترك انطباعًا قويًا لدى الجمهور، وبدت ردود فعله متردّدة ومحدودة مقارنةً بالمدرّبين الذين جلسوا على المقعد ذاته في مواسم سابقة مثل تامر حسني، راغب علامة، كاظم الساهر، عاصي الحلاني، وصابر الرباعي.
لا شك أن التجربة التلفزيونية الأولى لأي فنان تحمل تردّدًا طبيعيًا، لكن ظهور ناصيف كشف عن فجوة واضحة بين حضوره الفني كمغنٍّ وحضوره كمدرّب وشخصية على الشاشة.
أزمة ثقة بين الفنان والجمهور
يبدو أن ناصيف يعيش اليوم مرحلة ضبابية على مستوى خياراته الفنية، فلا الأغنيات تعبّر عن تطوّر في مسيرته، ولا ظهوره الإعلامي يُعيد الحضور الذي كان يتمتّع به. ومع غياب المشروع الفني الواضح، بدأت المسافة تتّسع بينه وبين جمهوره، الذي لطالما شكّل مصدر قوّته الحقيقي.
خلاصة المشهد
ما يمرّ به ناصيف زيتون اليوم ليس تراجعًا عابرًا، بل أزمة فنية مكتملة الملامح. فالفنان الذي كان يحتل الصفوف الأولى أصبح اليوم يتحرّك بلا اتجاه واضح، وكأن مشروعه فقد هويته وبوصلته معًا. أغنياته الجديدة لم تحمل أي تجديد يُذكر، وصار من الواضح أن التجربة تسير على وتيرة واحدة خالية من المخاطرة والإبداع.
الخلل لم يعُد في أغنية أو اثنتين، بل في الرؤية ككل؛ في غياب استراتيجية فنية تُعيد بناء الثقة مع الجمهور، وفي إدارة تعتمد على تكرار ما سبق دون قراءة جدية للواقع الموسيقي المتغيّر.
ناصيف اليوم أمام اختبار حقيقي: إمّا أن يعترف بأن المرحلة تتطلّب تغييرًا جذريًا في النهج والاختيارات، أو أن يواصل الدوران في الدائرة نفسها حتى يختفي أثره تدريجيًا من المشهد. فالساحة الفنية لا تنتظر أحدًا، والجمهور لا يُكافئ من يكرر نفسه.




