متابعة بتجــرد: واجهت الفنانة التونسية لطيفة حملة كبيرة ضدّها بسبب تصريحاتها عن المهاجرين الأفارقة خلال حفلها الأخير ضمن فعاليات مهرجان طبرقة الدّولي في تونس، والتي وصفها البعض بالعنصرية.
ما قالته لطيفة عن المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا تونس من جنوب الصحراء، على أمل العبور إلى الجنة الأوروبية، لم يكن مجرد زلة لسان في نقاش، أو انفعال إزاء موقف مباغت، أبداً؛ فقد كانت المغنية وحدها على الخشبة، تقدمت صوب الجمهور، وقالت: “اللي جايين يحبوا تونس تولّي (تصبح) بلادهم ويوطّنوهم، شو تقولوا لهم؟”، وهذا سؤال إيحائي بالطبع يوجِّه الجمهور نحو جواب واحد، واكملت هي من بعد بدورها: “ردّ الباب وغرّب”، وجاءت ذراع لطيفة لتتكفّل بشرح عبارتها. ثم تابعت: “تونس ملك للتوانسة، فقط لا غير. من الآخر”.
واعتبر معلقون على مواقع التواصل الإجتماعي أن رسالة لطيفة كانت قاسية بحقّ المهاجرين البائسين، الهاربين من فقر وجوع ونزاعات مسلحة، وإلا لماذا يغامر الناس بعبور الحدود تحت رصاص خفر الحدود، وبالتيه عبر الصحراء، وخطر التحول إلى جثث تموت مراراً تحت وهج الشمس، أو في سجون الميليشيات أو الأنظمة المستبدة، قبل الوصول إلى فم المتوسط الذي سبق له أن ابتلع موجات هجرة قذفها مصيرُها من كافة أرجاء الأرض، من سوريا وفلسطين وأفغانستان وأرجاء القارة السمراء الحزينة.
خطاب لطيفة لم يكن موفقاً، فمن الصعب أن تجد فناناً أو مبدعاً في العالم يصرّح بمعاداته للاجئين والمهاجرين على هذا النحو، ليس فقط لأن فناني العالم ومبدعيه غالباً ما يكونون من خلفيات عرقية متنوعة، ولربما مرّوا بتجارب شخصية أو عائلية قريبة من عالم الهجرة واللجوء تجعلهم أكثر تفهماً لأحوالهم، بل وكذلك لأنهم يعملون في حقول تنتمي لقيم إنسانية تجد تجسيدها في دعم حقوق المهاجرين واللاجئين، والدفاع عنهم في وجه سياسات التمييز.
لذلك نجد اليوم أن ألمع نجوم العالم، في وقت من الأوقات، ممثلين لمنظمات تعنى بحقوق اللاجئين، أو سفراء أمميين جوّالين على الفقراء والمهمّشين واللاجئين في المخيمات. من بينهم أنجيلينا جولي، وإيما واطسون، وكيت بلانشيت، وجيجي حديد.. إلى سواهم من سلسلة يكاد يصعب حصرها.
نتذكر خصوصاً المغني الفرنسي جوليان كليرك مع رصيد كبير في العمل من أجل اللاجئين، وكانت تكفيه أغنيته التحفة: “نحن كلنا لاجئون”.
وعمد ناشطون على تذكير لطيفة في تعليقاتهم على صفحاتها على مواقع التواصل الإجتماعي بأنها مستوطِنة منذ عقود في مصر، وفي لغة مصر، وألحانها وأغنياتها، كيف تشعر إن قال أحد في أم الدنيا إن “مصر للمصريين فقط لا غير”، وإن على الآخرين أن “يردوا الباب ويغربوا”؟ وبالطبع لن تكون أم الدنيا في هذه الحالة، ولن تبقى مصر التي في خواطرنا جميعاً، نحن أبناء الثقافة المصرية، حتى لو لم نزرها مرة. نحن المستوطنين في لهجتها وأفلامها وأدبها وأغنياتها.
في نهاية المطاف، ما من اشتراط أن يكون المهاجر مهدداً سياسياً، أو اجتماعياً، فالفقر وضيق الحال أيضاً من أسباب اللجوء، وقبل كل ذلك الكرامة الإنسانية، المهددة حتماً في ظل الاستبداد والفقر وغياب العدالة.
كلنا لاجئون ومهاجرون، من يستطيع أن يثبت أن جدّه الأبعد وُلد هنا وبقي في هذه الـ “هنا” إلى اليوم؟ ثم “ليست أرض البشر لجميع البشر؟”.