أخبار عاجلة
“أعلى نسبة مشاهدة”.. التجربة الإنسانية بين الصدمة والإنكار

“أعلى نسبة مشاهدة”.. التجربة الإنسانية بين الصدمة والإنكار

متابعة بتجــرد: عندما تتضافر أحلام الشهرة دون مقومات تبنى عليها، مع الخرس الإنساني والتباعد الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، والجهل بمخاطر الاستخدام السيئ لعالم السوشيال ميديا، ويغلف ذلك كله بالفقر وقلة الحيلة، تكون النتيجة ما قدمته المخرجة ياسمين أحمد كامل في مسلسلها “أعلى نسبة مشاهدة”.

في عالمنا المتغير بسرعة، تشكل وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا مفر منه من التجربة الإنسانية، من المآسي الشخصية الحقيقية، إلى الأعمال الدرامية التي تناقشها، وتشكل الدراما تفسيراً لقدرتنا العاطفية والعقلية، وفهم التداعيات الاجتماعية والنفسية المحتملة للأزمات التي قد تحدث لنا جراء الاستخدام غير المسؤول لتلك الوسائل.

وبالتالي يمثل مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة” طرح محوري لتلك القضايا، وفهم الأسباب النفسية والعوامل الاجتماعية المؤدية إليها، خاصة أنه  يتقاطع مع التدفق المنتظم لوسائل التواصل في حياتنا. لذا؛ كانت الاستجابات النفسية الفورية لأحداثه، من الصدمة والإنكار والارتباك إلى مشاعر أكثر شدة من القلق والحزن.

وقائع حقيقية

تصوير عالم “السوشيال ميديا” بشكل درامي في مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة”، يفسر الصدمة الجماعية التي أحدثتها تجاوزات تطبيق “التيك توك”، خاصة مع التصوير الحقيقي الجريء لهذا المجتمع، بعمل يحتوي على حقائق، وبالتالي لا يمكن اعتباره ترفيهاً خيالياً بحتاً، خاصة وأن الدراما قناة لتقدير الحقيقة، بكل خطوط وتفاصيل التجربة الحية. 

اعتمد سيناريو المسلسل على مجموعة من الوقائع الحقيقية للعديد من فتيات “البلوجرز” الشهيرات في مصر؛ اللاتي انتهى بهن الحال إلى السجن، والمتابع للحلقات يجد تشابه بين العديد من المشاهد والقصص الحقيقية.

شيماء (سلمى أبو ضيف)، شخصية تهتم بالعالم الداخلي لأفكارها وعواطفها أكثر من اهتمامها بالعالم الخارجي للأشخاص والأماكن والأشياء، فتاة فقيرة، قاربت على الثلاثين، تعيش مع أسرتها في مستوى اجتماعي بسيط، تتعرض دوما لتوبيخ والدتها (انتصار) لعدم مساعدتها لها، ولأنها عانس بمفهوم ثقافة العالم المحيط بهم، هي شخصية ليست قيادية، مفعول بها، وليست فاعلاً، تحركها الأحداث دون أن يكون الفعل بيدها، يبدو ذلك عندما تتحدث مع صديقتها “سحر” وتخبرها أنها لم تصدق نفسها من الفرحة بسبب معرفة الناس بها، حتى حسابها الرسمي على السوشيال ميديا، قامت بإنشائه صديقتها “سحر”، عندما تكتشف علاقة شقيقتها بحبسها “حسن” الذي تحبه، تلتزم الصمت. 

لكن عندما نجحت شيماء في إقامة علاقات عالية الجودة مع عدد قليل من الأشخاص الموثوق بهم مثل كاميليا، ركزت كل جهودها على أن تنجح في عرض الأزياء، شيماء لديها تعاطف أكبر مع الأشخاص الذين تهتم بهم، لذا.. تورطت مع البلوجر فوكس لتدفع ثمن المستشفى لأمها، التي لم يسألها أحداً من المحيطين بها عن مصدر الأموال، وتلك إشارة لأذدواجية المعايير لدى المجتمع بما فيهم أسرة شيماء.

حياة أبطال المسلسل وعلى رأسهم شيماء تتأرجح بين الإنكار والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول في نهاية المطاف، لما يفرضه الأمر الواقع من تجارب زواج فاشلة للهروب من غضب الأب، وعدم القدرة الحقيقية على المواجهة، ذلك لكون شيماء شخصية هشة، ورغم امتلاكها قدرة فطرية على التكيف والتعافي، لكنها لا تستغلها ولا تفضل الإبحار عبر العاصفة، فتستسلم للأزمات وتنتقل من مشكلة إلى كارثة.

نسمة الكاريزما (ليلى زاهر)، أخت أنانية ومتآمرة، هي نتاج للفقر والرغبة في الثراء بآي ثمن، دون آي مجهود، وضعت احتياجاتها ورغباتها الخاصة فوق احتياجات ورغبات الآخرين، متجاهلة مشاعر وظروف من حولها، مستخدمة “الأنا الكبيرة” لتظل منغمسة في نفسها؛ فأصبحت نموذجا للنرجسية، واتخذت قرارات أنانية أضرت بالأشخاص المحيطين بها.

لم تواجه أبدا صراع الاختيار بين رغباتها وبين الإضرار بأختها، بل تعمدت ذلك مرراً وتكراراً، ساعدت على انتشار فيديو شيماء وهي ترقص في “حنة” البلوجر هبة تاتو والتي تآمرت معها. وعرض الفيديو على التليفزيون في أحد البرامج باعتباره فيديو خادشاً للحياء. 

أجادت السيناريست سمر طاهر في إظهار حالة القلق والخوف التي لازمت أبطالها، وردود أفعالهم تجاه الأزمات التي تكون نتيجتها مزيد من التصرفات الكارثية، وذلك بدافع الخوف، وهو ما كانت تفعله بطلة العمل “شيماء” دوماً، ومن خلال المسلسل نكتشف حقائق الطبيعة البشرية، التي يتم إهمالها، فيما يتعلق بقبول الألم أو الواقع، والتي يتم الكشف عنها من خلال تصرفات بطلتا العمل. 

الحاجز النفسي

تستكمل الصورة الدرامية بشخصيات ثانوية مؤثرة مثل حمدية والدة شيماء، التي تؤدي دورها باقتدار الفنانة انتصار، التي تعمل -ليل نهار- لمساعدة أسرتها، للحد الذي جعلها تقع في براثن إحدى السيدات التي تورطها في أعمال السحر من أجل المال، بينما نجد حمدية تتفاجئي بفيديوهات ابنتها شيماء، فتدخل في أزمة صحية تصل إلى الغيبوبة.

تلك الأم لا تعرف أدنى قواعد التربية السليمة، فتخلق حاجز نفسي مع بناتها، وخاصة “شيماء”، فمشاركة المشاعر والمخاوف مع أمها كان سيوفر الدعم العاطفي الذي اشتدت الحاجة إليه، مع كل مواقف الرفض التي عانت منها شيماء من المحيطين بها، بداية من العريس الذي فضل أختها عليها، وانتهاء بقصة حب فاشلة من شخص مستغل. 

والد شيماء (محمد محمود) الحنون، الذي يصبح على النقيض تماما ويقبل زواج ابنته من شخص يبدو سوء خلقه من شكله وتصرفاته؛ يفعل ذلك فقط لظهور ابنته ترقص في “التيك توك”، إنه أب محكوم بثقافة مجتمع، ورغم تفانيه في خدمة أسرته، إلا أنه مكبل بالتقاليد والأعراف، وتسيطر على قراراته دكتاتورية العوام. إلى جانب الشعور بالعجز والهزيمة.

شخصية علي “إسلام إبراهيم” زوج الأخت المبتز، أداها الممثل ببراعة ناقلاً أدق تفاصيل تلك الشخصية في الأحياء الشعبية. هناك خالها أحمد فهيم “بندق” الذي يؤذى نفسه والمحيطون به بتصرفاته غير المسئولة. 

تستكمل الصورة الدرامية بصناع “التيك توك”، الذين نتعرف على خطورتهم في حفل افتتاح المطعم، حيث تدخل إلهام صفي “هبة تاتو” إلى الحفلة بالقوة، وتقوم ببث فيديو ينتقد الحفل بعد تهكم أحد مقدمي الاستاند أب الكوميدي عليها بالحفل.

يبقى في النهاية أن أهم ما ميز المخرجة ياسمين أحمد كامل في هذا العمل، هو بساطة سرد القصة ووضع المشاهد في الحكاية، وخلق إحساس بالغموض باستخدام حدث من المستقبل قبل “التترات” مع بداية كل حلقة من المسلسل.

تناولت المخرجة الاتجاه التصاعدي لعروض البث المباشر، والتي أثرت جميعها بشكل عميق على كيفية تناول الحكاية، ونجحت في اختيار منطقة التصوير، التي خلقت الجو المفضل لحمل الرسائل المراد تقديمها لسيطرة عالم السوشيال ميديا، وإنشاء تأثير محدد باستخدام الخلفية الشعبية التاريخية، بالإضافة إلى تركيبات الإضاءة الخافتة معظم الوقت، لما يخلقه المكان المظلم والكئيب من شعور بالخوف والفقر، وعلى عكس ذلك، كانت الأماكن التي تعيش بها كاميليا وطارق، هذا العالم الموازي لحياة شيماء ونسمة، النابض بالحياة ويخلق بيئة أكثر روعة. 

إلى الأعلى