أخبار عاجلة
Squid Game: The Challenge.. نتفلكس تنقل الدراما إلى الواقع

Squid Game: The Challenge.. نتفلكس تنقل الدراما إلى الواقع

متابعة بتجـــرد: على الورق، كان مسلسل Squid Game، أو “لعبة الحبار”، يبدو عملاً عادياً لا جديد فيه، أقصى ما يطمح إليه أن يحظى بمشاهدات جيدة، ثم سرعان ما ينسى، مفسحاً المجال لغيره من الأفلام والمسلسلات، التي تدور حول مجموعة من الناس في مكان واحد يتعين عليهم أن يخوضوا بعض الألعاب التنافسية، ليفوز أحدهم بجائزة، أو لينجو بحياته من الموت.

لكن “لعبة الحبار” حقق نجاحاً مدوياً على مستوى العالم، وقفز بالدراما الكورية إلى آفاق لم يصل إليها مسلسل آسيوي، أو غير أميركي، في تاريخ الدراما العالمية، وتحول إلى ظاهرة ثقافية ولعب أطفال وكبار، وحتى “موضات” في الملابس وحفلات التنكر!.

والآن، بعد 3 سنوات من العمل الذي رسخ نجاح منصة “نتفلكس” في عالم ما بعد الكورونا، ها هي المنصة تعود لا بموسم جديد، ولكن ببرنامج واقع يحمل اسم Squid Game: The Challenge (لعبة الحبار: التحدي)، يتبارى فيه المواطنون العاديون في ألعاب وديكورات وأجواء تحاكي المسلسل في كل شيء تقريباً.

فكرة عبقرية، أو ربما تكون عادية ومكررة، مثل مسلسل فكرة “لعبة الحبار”، ولكن العبقرية، مثلما في حالة المسلسل، تكمن في الدقة والفخامة والأسلوب.

بالتأكيد خطرت فكرة تحويل المسلسل إلى برنامج ببال الكثيرين، هذه الأيام كل شيء يتحول إلى أشياء، الواقع إلى كتب وأفلام ومسلسلات، والأفلام والمسلسلات إلى كتب وألعاب فيديو، وألعاب الفيديو إلى أفلام، وكل ذلك يعود ليتحول إلى واقع من جديد، حتى يكاد يشعر المرء أن البشرية على وشك الانتقال إلى عالم افتراضي تذوب فيه الحدود بين الواقع والخيال.

ولعل الاهتمام الذي تبديه كثير من الدول (المتقدمة تكنولوجياً) حالياً إلى ضرورة تقنين “الذكاء الاصطناعي” هو أكبر دليل على الخوف من احتمالية فقدان الصلة بالواقع والغرق في هوة الواقع الاصطناعي إلى الأبد!.

أرقام قياسية

مثل المسلسل، يضم البرنامج 456 لاعباً (الأكبر في برامج الواقع)، ويصل حجم الجائزة المتنافس عليها، والتي حصل عليها لاعب واحد إلى 4.56 مليون دولار (الأكبر في تاريخ برامج الواقع)، وخلال أيام من بدء عرضه على “نتفليكس” (من 22 نوفمبر إلى 6 ديسمبر الحالي) حظي العمل بعدد مشاهدات غير مسبوق يقترب من 12 مليون مشاهدة (الأنجح بين كل برامج الواقع)، واحتل المركز الأول في الأكثر مشاهدة في 76 دولة!.

تتشابه الألعاب، كما ذكرت، مع ألعاب المسلسل، بعد أن تم استبعاد بعض الاختبارات أو التفاصيل الخطيرة على الحياة وإضافة بعض الألعاب الجديدة.

من الألعاب الشهيرة التي أحبها جمهور المسلسل “ضوء أحمر.. ضوء أخضر”، التي تقوم فيها دمية طفلة عملاقة بإطلاق النار على من يتحرك بعد توقف صوت الموسيقى، ولعبة “دالجونا” التي يقوم فيها المتبارون بلعق قطعة من البسكوت يتوسطها شكل هندسي، ولعبة البليات الزجاجية، وعبور الجسر الزجاجي، بجانب بعض الاختبارات التي تتوسط الألعاب، ويتحدد بناءً عليها خروج عدد من المتسابقين.

يتكون البرنامج من 10 حلقات، تحتوي كل منها على واحدة من الألعاب وبعض الاختبارات، وقد صُوِّرَت خلال 3 أيام فقط، في استوديوهات بالعاصمة البريطانية لندن (العمل إنتاج مشترك بين نتفليكس واثنتين من الشركات الإنجليزية)، والمشاركين تم قبولهم من أي مكان في العالم بشرط أساسي هو إجادة التحدث بالإنجليزية.

“الواقع” الحائر

الفارق الأساسي بين المسلسل والبرنامج، هو بالطبع أنه لا يوجد نص مكتوب هنا، وبالتالي من المستحيل توقع أي نتيجة أو سلوك شخصية ما، بناءً على قواعد وحبكات الدراما المألوفة لدى المشاهد، وأيضاً إدراك أن هذه لعبة، وأن الناس لا يموتون فعلاً.

مع ذلك، يطرح كلّ من المسلسل والبرنامج (من خلال المقارنة بينهما) سؤالاً مثيراً حول ماهية الواقع، وهل برامج “الواقع” هي بالفعل أكثر واقعية من الدراما، وما مدى الواقعية التي تتسم بها حقاً؟.

صحيح أن المسلسل عمل “خيالي”، صيغت أحداثه وشخصياته وفقاً لبناء درامي محكم، واُخْتِيرَت نتائج الألعاب وسلوكيات الشخصيات وفقاً لهذا البناء وقواعد الدراما وتحقيق التشويق والتأثير المطلوبين على المشاهد، حتى لو استدعى ذلك الكثير من المبالغة والميلودراما، وصحيح أيضاً أن شخصيات البرنامج حقيقية، تتصرف وفقاً لطبيعتها، وليست وفقاً لنص مكتوب، كما أن نتائج الألعاب لا يمكن توقعها، والكثير منها يعتمد على ضربات الحظ العمياء، مثل رمي النرد، أو الضغط على زر من ثلاثة أو اختيار مفتاح من بين عشرات المفاتيح!.

مع ذلك، فهناك كاميرا (بل عشرات الكاميرات المبثوثة في كل ركن وزاوية)، وهناك مشرفون يديرون اللاعبين، وإدراك لا يغادر أذهانهم بأن ملايين المشاهدين يتفرجون عليهم ويراقبون تصرفاتهم، وكل ذلك يؤثر في قراراتهم، وعلى علاقاتهم ببعضهم البعض، بل على طريقة كلامهم ونظراتهم وتفكيرهم، وهو ما يحولهم، شاءوا أم أبوا، إلى ممثلين أو مؤدين، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصدق أن هذا هو “الواقع”، وأنهم سيتصرفون بالطريقة نفسها إذا وضعوا في اختبارات مماثلة في الواقع.

في المسلسل (كما في الدراما عموماً)، يركز صُنّاع العمل على الواقع الداخلي للشخصيات، مطلقاً لهم عنان التفكير والفعل دون القيود المفروضة على الناس في حياتهم اليومية، حيث يمكن للمرء أن يكون شريراً أو بطلاً خارقاً، وأن يغامر ويخاطر ويكره ويحب كما يشاء، وهي أشياء يحرم منها الإنسان في حياته الواقعية بدرجة أو أخرى، ولعل هذا سبب جاذبية الدراما في المقام الأول.

أما برامج الواقع، فهي تصور أناساً حقيقيين بالطبع، وتحاول بقدر الإمكان أن تضغط عليهم لإظهار جوانبهم الحقيقية، ولكن إدراك هؤلاء لوجود الكاميرات ومئات، بل آلاف العيون التي تراقبهم، يجعلهم غير حقيقيين بدرجة أو أخرى.

ويشعر المرء، إذ يشاهد برنامج “لعبة الحبار”، أن معظم المشاركين “يؤدون” الصورة الذهنية التي يريدون تصديرها عن أنفسهم، يكفي أنهم جميعاً (باستثناء الفائزة الأخيرة) قد عانوا مرارة خسارة أكبر فرصة أتيحت لهم في حياتهم للتحول إلى مليونيرات بين يوم وليلة، ومع ذلك يضحكون ويبتسمون وهم يغادرون، كأنهم مشجعون في مباراة كرة قدم، بل يمكن للمرء أن يراقب مشجعي كرة القدم عقب خسارتهم لمباراة؛ ليعرف كم يمكن أن تكون الخسارة مؤلمة.

إذا كانت الدراما تأخذ من الواقع جانبه المظلم والمخفي عن العيون، فإن برامج الواقع تأخذ من الواقع سطحه الظاهري المعلن، وبالتالي يصعب أن نصدق أنها فعلاً واقعية.

من ناحية ثانية، فإن هؤلاء المشاركين لا يستطيعون التخلي عن واقعيتهم تماماً، هناك لحظات هي الأفضل والأكثر تأثيراً في برنامج “لعبة الحبار: التحدي”، حيث تترك الشخصيات نفسها لأفكارها ومشاعرها الحقيقية.

وبجانب الألعاب، يجري صُناع البرنامج لقاءات منفردة يتحدث فيها المشاركون عن أنفسهم، أحياناً ما تكون حقيقية ومؤثرة للغاية، مثل حديث شاب شارك في المسابقة مع أمه عن علاقته بوالديه الناجحين التنافسين، ورغبته في تحقيق أي نجاح يحصل من خلاله على اعترافهما، أو حديث متسابقة عن معسكر اللاجئين الذي عاشت فيه، وخطر الموت الذي تعرضت له في أثناء رحلة هروب عائلتها الفيتنامية إلى أميركا، وتأثير ذلك على شخصيتها التي تتشبث بالبقاء، وهو ما نراه بالفعل في نتيجة المسابقة.. “لعبة الحبار: التحدي” عمل جماهيري.

إلى الأعلى