أخبار عاجلة
بماذا همس الفيل في أُذن مالك بن جلول؟

بماذا همس الفيل في أُذن مالك بن جلول؟

متابعة بتجــرد: هل يمكن أن تعمّ شهرة موسيقي بارع الآفاق خارج بلاده، فيما يجهل مواطنوه هويّته أو ما إذا كان ما يزال على قيد الحياة، أو أنه مات أو انتحر؟ يبدو هذا الأمر ضرباً من الخيال، لكنه حدث بالفعل، وقد تمكّن مخرجٌ سويدي جزائري الأب، ليس فقط من توثيقه، بل أيضاً من إعادة ذلك الموسيقي إلى المقدّمة ليجعل محبّيه يحتفون به أيّما احتفاء، وأن يعيشَ هو وأفراد أُسرته فرحاً غيرُ مُنتظر.

تلك هي حكايةُ شخصيّتين تقاطعت دروب حياتهما في لحظة، انبعث فيها أحدهما، ورحل الثاني بشكلٍ مُبكّر. حدث ذلك في بلد قصي عن مسقط رأسَي الشخصيّتين، أي في جنوب إفريقيا، التي كان مواطنوها المناهضون للتمييز العنصري اعتبروا إنجاز ذلك الموسيقي بمثابة النشيد الوطني للحريّة.

حدثتْ لحظة اللقاء تلك ما بعد انهيار نظام العنصرية “الأبارتهايد” في جنوب إفريقيا ببضع سنين. يجري كلّ ذلك في فيلم Searching for Sugarman الذي روى فيه المخرج السويدي، جزائري الأب، مالك بن جلّول في عام 2012، حكاية المغني والشاعر الأميركي، مكسيكي الأصول، سيكستو رودريجيز. نال الفيلم جائزة “الأوسكار” لأفضل فيلم أجنبي عام 2013، بعد أن كان قد نال جائزة “البافتا” وجوائز عالمية أخرى.

يروي رودريجيز في الفيلم بأنّه أضاع في لحظة ما في حياته جيتاره، ما أفضى إلى نُدرة إسهاماته الموسيقيّة، وصار يواصل حياته الطبيعيّة، ويشتغل مرمّماً للبيوت القديمة ليتمكّن من إعالةِ أسرته المكوّنة من زوجته وبناته.

كانت حياته تسير برتابة طبيعية، دون أن يخطر بباله بأنّه اعتلى قمّة الهرم الموسيقي في ثمانينات القرن الماضي، لكن خارج الولايات المتّحدة. 

وبالذات في جنوب إفريقيا التي كانت ما تزال ترزح تحت ربقة النظام العنصري، وحيث كان محبّوه يتداولون موسيقاه، ويُهرّبون سرّاً ما توفّر لديهم من الأسطوانات التي تحمل تلك الموسيقى والأغاني، معتبرين إيّاها مفردةً من مفردات الكفاح ضد العنصريّة، ويُقاربون أهميّتها مع موسيقى إلفيس پريسلي، وكبار موسيقيي الستينات والسبعينات.

وزادت من شهرة رودريجيز ومن أعدادِ المعجبين بموسيقاه في جنوب إفريقيا ما كان يُنشر ويُسردُ بين الحين والآخر من حكايا عن نهايته التراجيديّة، كحكاية انتحاره بإطلاقه رصاصة على رأسه فوق خشبة المسرح بعد الانتهاء من حفل موسيقي، أو حكايا انتحار أخرى.

في غضون ذلك انطلق المخرج مالك بن جلول في رحلة لمعرفة المآلِ الحقيقي لهذا الرجل، وأفضت به تلك الرحلة ليس فقط إلى إنجاز فيلم Searching for Sugar Man فحسب، بل أيضاً إلى العثور على رودريجيز نفسه.

فرافقه إلى جنوب إفريقيا للقاء جمهوره الواسع، ووثّق بفيلمه مراحل إحياء مسيرة سيكستو رودريجيز الموسيقية.

فاز الفيلم بأوسكار أفضل وثائقي في عام 2013، بعد أن كان قد فاز في العام ذاته بجائزة “البافتا”، وغيرها من الجوائز، وحقّق في شباك التذاكر إيراداً بلغ 3.6 مليون دولار. وبمناسبة الذكرى العاشرة لذلك “الأوسكار” عاد شريط بن جلول إلى الصالات الأوروبية، ومن بينها صالةٌ سينيفيليّة عريقة اسمها سينما “آلفييري” في فلورنسا التي أُعيد افتتاحها في 2013 من جديد بعد سنين من الإغلاق.

وافتتحت Spazio Alfieri التاريخيّة بهذا الفيلم بالذات في ذات السنة التي فاز بها بـ”الأوسكار”، ويفخر مدير هذه السينما بأنّ صالته انبعثت بهذا الفيلم الوثائقي، في زمنٍ لم تكن الصالات السينمائية تجرؤ على عرض الفيلم الوثائقي تجارياً.

وولد المخرج بن جلول في 14 سبتمبر 1977 بمدينة يستاد الواقعة على بُعد 55 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة مالمو بجنوب السويد، وهو ابن للطبيب السويدي جزائري المولد حُسين بن جلول والمترجمة والرسامة السويدية فيرونيكا شيلدت بن جلول. 

وبدأ بن جلول مسيرته الفنّية كصحافي مستقل في التلفزيون السويدي العمومي SVT، ومقدّماً لبرنامج الصباح التلفزيوني Gomorron Sverige بالإضافة إلى تقديمه للبرنامج الإذاعي الصباحي P1-morgon للراديو السويدي.

وترك مالك وظيفته ليؤسّس شركة إنتاج خاصّة وليخرج أفلاماً وثائقية عن موسيقيين من بينهم إلتون جون، ورود ستيوارت، وبيورك، وكرافتويرك.

وبعد عامٍ ونصف العام من فوزه بالأوسكار، وبالذات في 13 مايو 2014، وفي ساعة الذروة، وضع مالك بن جلول حدّاً لحياته بإلقاء نفسه أمام قطار سريع في محطة مترو “سولنا سنتروم” في ستوكهولم.

وحسب ما أوردت بعض المواقع عن شقيقه الإعلامي جوهر بن جلول، فإنّ مالك “كان يعاني من الاكتئاب”. لقد أماط بن جلول اللثام عن الأنباء الزائفة والمُختلقة التي دارت حول انتحار رودريجيز وأعاده إلى الواجهة نجماً.

إلاّ أن نجمه هو، نجم مالك بن جلول، خبى بالفعل وكان انتحاره، للأسف الشديد، فعلاً حقيقيّاً حرمنا جميعاً من الاستمتاع بإبداعه طويلاً، كان مالك بن جلول يعمل، قبل انتحاره، على مشروع فيلم مقتبسٍ من كتاب للورانس أنتوني بعنوان “همسة الفيل”.

 وبرحيله المبكّر في السادسة والثلاثين من العمر حُرِمنا من التعرّف منه بماذا همسَ ذلك الفيل في أُذنه.

إلى الأعلى