متابعة بتجــرد: انتهى الجزء الأول من مسلسل “عنبر 6″، المعروض على منصة “شاهد”، بحريق كبير، وجريمة قتل لصحفي يبحث عن الحقيقة، وشابة تبحث عن أصل عائلتها تكتشف أن هناك عصابة تحاول منعها من ذلك بأية وسيلة، وفوق ذلك يتم الإيقاع بها؛ لأنها كشفت مخالفات مالية كبيرة في الشركة التي تعمل بها، وينتظر أن تسجن هي أيضاً، لتنضم إلى بطلة العمل الأخرى، المسجونة بتهمة قتل أبيها، وزوجة مدير الشركة التي كشفت الأولى فساد إدارتها.
نهاية مفتوحة على مصراعيها، مشوقة، جعلت المشاهدين المعجبين بالمسلسل ينتظرون بشغف ما سيسفر عنه الجزء الثاني الذي بدأ عرضه مؤخراً.
بداية، نفاجأ أن رهف، سلاف فواخرجي، بطلة الجزء الأول، قد لقت مصرعها في الحريق الذي انتهى به الجزء الأول. وقد لجأ صناع العمل إلى ابتكار هذا الحل لمواجهة مشكلة اعتذار فواخرجي عن الجزء الثاني، بسبب انشغالها في أعمال أخرى، كما قالت في أحد التصريحات، أو بسبب تشاؤمها من الحوادث التي أصيبت فيها خلال تصوير الجزء الأول، ومنها حادث كاد أن يفقدها بصرها بعد سقوط إحدى قطع الديكور على رأسها.
استدعى ذلك بالتأكيد إلغاء دورها وإعادة كتابة السيناريو، وربما كان الأفضل لو تم تغيير سلاف بممثلة بديلة، حتى لا يتم التضحية بالدراما نفسها من أجل ممثل.
بداية واعدة
على أية حال، يبدأ الجزء الثاني من “عنبر 6” (ولا يزال الإخراج لعلي العلي والتأليف لدعاء عبد الوهاب وهاني سرحان، من خلال ورشة كتابة جماعية) بمشهد ضخم إنتاجياً تقوم فيه عصابة مدججة بالأسلحة والتكنولوجيا باقتحام سجن النساء، من أجل تهريب سجينة لا تريد الخروج من السجن.
وتدور بعض المعارك الشرسة بين المهاجمين والحرس في ناحية، بينما تدور في ناحية أخرى معركة بطلتها ليلى (صبا مبارك)، التي تبحث عن سر عائلتها، وسجينة عجوز تعرف السر، لكن تقوم سجينتان أخريتان بالاعتداء على ليلى وقتل العجوز لمنعها من إفشاء السر، وسرعان ما تصل قوات الشرطة ليهرب رجال العصابة بعد أن يقتلوا عدداً لا بأس به من رجال الشرطة.
أحداث قوية تبشر بموسم أكثر سخونة من الجزء الأول، الذي أثار إعجاب قطاع كبير من المشاهدين، ولكن هذه السخونة سرعان ما تبرد عبر حلقات الموسم الثاني، ورغم المحاولات الجاهدة لوضع بعض الأحداث والأكشن، لكنها تظل أحداثا صغيرة، سرعان ما تنتهي دون أن تُفضي إلى شيء، ورتيبة على مستوى التنفيذ، إذ يكاد يخلو العمل، بحلقاته العشر، من الأحداث الكبيرة باستثناء خط درامي واحد، مثقل بالبطء وتقاطع شخصيات وحكايات أخرى معه، لا تتحرك خطوة.
دور أكبر لصبا وبطلات جدد
غياب سلاف فواخرجي أثر بالقطع على الجزء الثاني، خاصة أن شخصيتها كانت قد شهدت تحولاً كبيراً يُبشر بأحداث مثيرة، ولكن تم تعويض ذلك بإسناد مهمة الحركة والإثارة إلى شخصية ليلى، التي تدخل السجن، ورغم أنها موظفة في شركة استيراد وتصدير، لكنها سرعان ما تتحول إلى سجينة مخضرمة، تخوض المعارك البدنية يومياً، بالإضافة إلى المعركتين الكبيرتين اللتين تخوضهما، لمعرفة أصل عائلتها، ولإثبات براءتها وإدانة مدير الشركة وشركائه.
في الجزء الثاني، تنضم شخصيات جديدة إلى المسلسل (أو السجن)، منها النزيلة الجميلة نانسي (مرام علي)، الهاربة من رجل العصابات السادي برهان (فايز قزق)، والذي يرسل عصابته لتهريبها من السجن في الحلقة الأولى، كما تربطها قصة حب غريبة مع أحد حراس السجن، وهو خط، رغم طرافته في حد ذاته، لكنه يسير وحيداً، بعيداً عن خط العمل الرئيسي.
كما تنضم نزيلة صاحبة سوابق قديمة، مسترجلة ومنحرفة، اسمها شمس، تتحدى “قبضاية” السجن التي عرفناها في الجزء الأول، حليمة، ثم سرعان ما تنضم ابنة حليمة نفسها إلى النزيلات، ما يزيد تعقيد المنافسة بين حليمة وشمس، ولكن هذه المنافسة لا تزيد عن شجارات ومعارك يومية (لا تخلو منها حلقة واحدة، ولكن ليس من المفهوم أبداً على ماذا تدور هذه الشجارات سوى حب السيطرة)!
مصارعة المحترفات
كان الجزء الأول من المسلسل، على عادة أفلام ومسلسلات السجون، قد بدأ بمعركة نسائية حامية الوطيس بين النزيلات في فناء السجن، وبعد ذلك تكررت بعض المعارك التي دشنت تحول البطلة رهف من امرأة أرستقراطية لا تعرف شيئا في الدنيا إلى شخصية قوية قادرة على الدفاع عن نفسها، بل وتكوين عصبة صغيرة من الزميلات السجينات لمواجهة حليمة ومثيلاتها.
في الجزء الثاني تقوم ليلى بهذا الدور، التي تتحول منذ الحلقة الأولى إلى بطلة كاراتيه وكونج فو، ثم بعد خروجها من السجن إلى تحر خاص، تقتحم الشركة للحصول على الأسرار، وتهرب من عصابة تطاردها بالسيارات والأسلحة.
لكن هذه المعارك، خاصة معارك السجن بين النزيلات الجميلات، حتى التي يحترق جزء من وجهها، وتتعامل على أنها مشوهة، تبدو جميلة بشكل لا يصدق، تبدو مثل استعراضات “مصارعة المحترفين النسائية”، التي يقصد بها إمتاع المشاهدين الرجال، ولكنها ليست معارك حقيقية في نهاية الأمر.
بين الواقعية والأكشن!
تنص عناوين المسلسل على أنه مقتبس من وقائع حقيقية، كما يعترف صناع العمل بأنه مقتبس من المسلسل التركي “الفناء”، وهناك إشكالية تتعلق بمسألة الواقعية هنا: هل هي الموضوع أم طريقة معالجته؟ ربما تكون بعض، أو كل، قصص المسلسل مقتبسة عن صفحات الحوادث بالفعل، ولكن السجن الذي نراه، وكل هذه الفتيات الجميلات اللواتي يضمهن المسلسل، بمن فيهن الإخصائية الاجتماعية وطبيبة السجن، وحتى السجانات المسنات يتمتعن بكاريزما وأناقة النجمات اللواتي يؤدين الأدوار.
هذه الشخصيات وسلوكياتهن وطريقة كلامهن ليست واقعية بالمرة، ورغم أنه من الرائع أن يضم العمل ممثلات وممثلين من جنسيات عربية مختلفة (وتقوم مسلسلات الإنتاج المشترك، خاصة التي تصنعها منصة “شاهد”، بدور عظيم في التقريب بين اللهجات والثقافات العربية)، إلا أن الطبيعة غير الواقعية للمكان والحوار تجعل الأمر يبدو مفتعلاً.
والسجن الذي يفترض أنه موجود في لبنان هو سجن خيالي 5 نجوم تسكنه نساء أطيب وأرق من نساء الواقع، ولعل صناع العمل شعروا بذلك، فأضافوا إلى الجزء الثاني شخصية المرأة المنحرفة، ولكن بالطبع لا يكفي ذلك لكي يجعل العمل واقعياً، للمسلسل في جانبه الآخر بالطبع، وهو البوليسي التشويقي، ولكن هناك تعارض وتنافر بين هذا الجانب، والجانب الميلودرامي العاطفي، المثقل بالموسيقى الشجية والحركة البطيئة والمونولوجات الشخصية، ومشاهد الحوارات المكررة بين الشخصيات، ولذلك فإن مشاهد الحركة لا تساهم إلا في مزيد من الشعور بالملل من مشاهد هذه الحوارات.