أخبار عاجلة
فيلم Polaris.. تجربة امرأة جزائرية في بحار الشمال الباردة

فيلم Polaris.. تجربة امرأة جزائرية في بحار الشمال الباردة

متابعة بتجــرد: ليس سهلاً على الإطلاق لامرأةٍ بطول 160 سنتيمتراً أن تكون ربّاناً لسفينة يعمل على متنها رجالٌ لوّحَتْ الشمسُ وملحُ البحر بَشَراتهم، ليس سهلاً لتلك المرأة أن تقود سفينةً في بحار الشمال الباردة ما لم ترتَدِ قناع الصرامة والقسوة وحِدّة الملامح وأن تقف وقفة النِدّ للنِّد في مواجهة أولئك الرجال.

هذا ما يظهر بجلاءٍ من الوثائقي الجميل “Polaris” للمخرجة الإسبانية آينارا ڤيرا، والذي عُرض في مهرجان كان السينمائي الدولي في الدورة 75، وفاز بالعديد من الجوائز في المهرجانات التالية، ومن بينها جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان تورينتو العريق في شمال إيطاليا، وقد بدأ عروضه الجماهيريّة في الصالات الفرنسية في أبريل الماضي.

يروي الفيلم عن مرحلةٍ فارقةٍ من حياة الربانة الكابتن “حياة”، وهي تُميطُ اللثام عن الكثير من أسرارها والغموض الذي يلّفّ حياتها، ومن بين ما تروي عنه “حياة” معاناتها في قيادة سفينة يعمل على متنها عدد كبير من الرجال.

ليس هذا الأمر مستحيلاً بالمطلق، لكنّ ما أنجزته هذه الربّانة الشابة الفرنسية، جزائرية الأصول، “حياة” مكّنها من تثبيت موقعها كامرأةٍ وكربّانة سفينة.

في المقابل، لم يكن أيضاً سهلاً لأحدٍ أن يدخل إلى تضاعيف الجدار العالي والسميك الذي شيّدته “حياة” حول نفسها وحول حياتها أيضاً، إنّهُ أمرٌ لم يتحقق إلاّ للمخرجة الإسبانية آينارا ڤيرا التي تمكنت من الولوج إلى عالم “حياة” الموصد بفضل تيار العاطفة، والصداقة، والأخوة التي نشأت بينها وبين هذه الربانة العتيدة خلال تصوير الفيلم الأخير للمخرج الوثائقي الروسي فيكتور كوساكوفسكي.

لقد تمكنت آينارا ڤيرا من أن تجعل “حياة” تفتح لها قلبها وتروي لها عن كل شيء يمسّ حياتها، ليس هذا فحسب وإنما سمحت “حياة” لنفسها، أو بالأحرى سمحت لعينيها بأن تذرفا الدمع أمام كاميرا أينارا ڤيرا، بالذات في اللحظة التي روت فيها للمخرجة عن معاناتها مع البحّارة الرجال وهي تقول: “إذا ما شعر بعضٌ من هؤلاء الرجال منذ البداية بأن فريقي لا يحترمني أو يُحجمُ بعضهم عن تنفيذ أوامري، فإنّ ذلك سيُفَسّر ضعفاً من قِبلي وسيفلت الزمام من بين يديّ، وسيُحيل أؤلئك البحّارة حياتي إلى عُسرٍ لا نهاية له”.

ومن جانبها، قالت المخرجة آينارا ڤيرا، لـ”الشرق” إن الفيلم الوثائقي “Polaris”، بجانب أنه فيلماً عن حياة البحر، فهو يروي عن آصرة شقيقتين تعيش إحداهما في البحر، والأخرى على اليابسة تترقّب ميلاد طفلتها، ويُميط الفيلم اللثام عن كيفيّة إسهام هذه القادمة الجديدة في تغيير حياة الشقيقتين”.

وأضافت “لقد تابعت الأختين والوليدة الجديدة على مدى سنتين وشهدت كلّ ما حدث في حياتهن، كانت الأختان ترغبان في تغيير أقدار العائلة”.

وأشارت إلى أن الربانة “حياة” تبحث عن مكانة على هذه الأرض، لذا تعيد النظر في كل جوانب حياتها، بدءاً من أصولها، فهي لا تشعر بالانتماء إلى فرنسا لأن والداها من أصولٍ جزائريّة، كما أنها لا تشعر بالانتماء إلى الجزائر، لأنها لم تذهب إلى هناك قط.

وتابعت “هي كذلك لا تشعر بالانتماء إلى البشر، لأنها تشعر منذ الصغر بأنّ الناس خذلوها، لذلك ذهبت بعيداً، إلى بحر الشمال لتكون قريبة من الطبيعة بمفردها، وقد يُفضي بها ذلك الاقتراب إلى التصالح مع أصولها ومع الناس”.

وأكدت المخرجة الإسبانية، أن الفيلم يُقدم تحية للمرأة، التي تُصر على تثبيت موقعها وإبراز قدراتها وتعزيز مطالبتها بأن يتم التعامل معها أسوة بالرجل دون أي تمييز.

وأضافت “نحن نعيش في مرحلة تتحقق فيها نجاحات كبيرة للمرأة، لكن في الوقت ذاته هناك سيدات تتعرضن للاعتداء والاغتصاب والتمييز والاستغلال”.

واستكملت “في الفيلم أردت أن أعكس حالة الأخوة التي تولّدت بيننا، أُخوّتي أنا مع حياة وليلي، وقد أردت عدم الاكتفاء بإظهار القوة التي امتلكناها كمجموعة من الناس الداعيون لبعضهم البعض، بل أيضاً إظهار ما امتلكناه من قدرة على  تجاوز التحديات التي كنّا نواجهها”.

ولفتت إلى أن”حياة” اختارت مهنة لاتزال ذكورية، لذا كان عليها أن تُثَبّت على مدار الساعة، أحقّيّتها في لعب دور القيادة.

واختتمت المخرجة حديثها، بقولها: “لقد أردتُ في الفيلم تسليط الضوء على هذا العنصر، دون توتّر أو حَنَقْ، أردت فقط مشاركة ذلك الإحساس من الآخرين كي يعلموا بوجود حالات التمييز، التي تتعرّض لها حتى نساءٌ من عيار هذه المرأة القوية”.

إلى الأعلى