أخبار عاجلة
بعد قرنين.. “الفرسان الثلاثة” في السينمات الفرنسية

بعد قرنين.. “الفرسان الثلاثة” في السينمات الفرنسية

متابعة بتجــرد: يبدأ في فرنسا عرض فيلم سينمائي جديد مقتبس من رواية الكاتب الفرنسي ألكسندر دوما “الفرسان الثلاثة” الصادرة منذ نحو 179 عاما.

وألكسندر دوما مؤلف الرواية (1802 ـ 1872) يُعد من أشهر كتاب فرنسا، وأكثرهم إبداعا وتشويقا واستيلاء على قلوب القراء، كما أنه شديد التنظيم في عمله، وتعتبر تحفته “الفرسان الثلاثة” الصادرة في عام 1844 قمة في فن التشويق الروائي.

ويضم الفيلم الذي تنطلق عروضه على الشاشات الفرنسية، الأربعاء، مجموعة من الممثلين البارزين من بينهم بيو مارماي والجزائرية لينا خودري وفيكي كريبس ومن إخراج مارتن بوربولون، وهو مقتبس بقدر كبير من الأمانة من عملاق أدب اللغة الفرنسية.

كان ألكسندر دوما في الحادية والأربعين عندما كتب “الفرسان الثلاثة” (Les Trois Mousquetaires)، وكانت شعبيته أصبحت كبيرة في باريس وخصوصا منذ النجاح الواسع الذي حققته مسرحيته “هنري الثالث وبلاطه” (Henri III et sa cour) في مسرح “كوميدي فرانسيز” عام 1829.

وراجت منذ بدء صدور صحيفة “لا بريس” (La Presse) عام 1836، فكرة الروايات المتسلسلة التي تُنشر على حلقات، وكان القراء يتابعون بشغف رواية “ألغاز باريس” (Les Mysteres de Paris) لأوجين سو، أحد منافسي دوما.

وخاض الكاتب المسرحي والروائي غمار هذه الصيغة عبر صحيفة “لو سييكل”، متسلحا “ببراعته في التشويق”، ومُطَعّماً روايته “بالتوتر الدرامي وبالطابع التاريخي الذي يلامس جمهورا عريضا”، وفقا لأستاذة الأدب الفرنسي في جامعة كان نورماندي (شمال غرب فرنسا) جولي أنسيلميني.

وقالت جولي أنسيلميني إن دوما كان بالإضافة إلى وتيرة حياته المحمومة مدمن عمل، مشيرة إلى أنه “يروي في مذكراته أنه كان يحرم نفسه من النوم لإنجاز عمله”.

وشرح كاتب سيرة دوما سيلفان ليدا أن الأديب “كان يتصف بالتنظيم مع أنه كان عاطفيا وميّالاً إلى التطرف في كل ما يفعله، وكان كثير السفر ويتخذ عشيقات ويقيم صداقات قوية”.

وخلافا للاعتقاد السائد، لم تكن صيغة الرواية على حلقات تحفزه على الكتابة بوتيرة يومية، فهو كان يعرف منذ البداية وجهته وما يريد الوصول إليه، بمساعدة مؤلف مشارك يمدّه بالوثائق هو أوغست ماكيه، وبالتالي بمجرد وضع الخطة، كان يلجأ إلى تقسيم الروايات وفق ما تقتضي متطلبات النشر اليومي.

ولاحظ سيلفان ليدا أن “دوما كان يتمتع بحس الإيقاع، يعرف متى يجب أن يسرع، ومتى ينبغي أن يهدئ في حبكته”، وأسبغ الفكاهة على شخصياته.

وتسرد الرواية مغامرات شاب اسمه “دارتانيان” يترك البيت أملا في أن يصبح فارسا، وخلافا لما يوحي به العنوان فإن هذا الشاب ليس أحد الفرسان الثلاثة؛ فأولئك في الحقيقة هم أصدقاؤه آتوس” و”آراميس” و”بورتوس” وهم ثلاثة أصدقاء متلازمون يعيشون حسب عقيدة ومبدأ إن “الواحد للكل، والكل للواحد”.

وسرعان ما انجذب القراء إلى الفرسان الثلاثة وهم أشجع رجال النبيل “دي تريفيل” وأشدهم بأسا وترابطا؛ حيث قيل إن الواحد منهم لا يَغلِبُه إلا جيش، لكنهم على الرغم من ذلكَ قَبِلوا انضمامَ الشاب الشجاعِ “دارتانيان” لمجموعتهم الصغيرة خدمة البلاد؛ وذلك بعد أن أُعجبوا بشجاعته ونبل أخلاقه إثر إحدى المبارزات، لتبدأَ مرحلة جديدة من المغامرات المثيرة ضد رجال الكاردينال المُتعجرِفين.

ولفت الباحث الأدبي اللبناني كارل عقيقي الذي تناولت أطروحته “الفرسان الثلاثة” إلى أن “الرواية تأخذ القارئ إلى عالم الكبار الخاص، فالفرسان حاضرون في الحفلات، وفي البلاط، وكما يتابع الناس اليوم مسلسل +ذي كراون+، كانوا في ذلك الزمن يقرأون +الفرسان الثلاثة+ ويكتسبون ثقافة تتعلق بتاريخ فرنسا”.

ولا يزال لعبقرية دوما في سرد القصص مفعول قوي اليوم، بعد نحو قرنين.

وقال كارل عقيقي إن “دوما هو الأفضل في جعل القارئ مدمنا”، مضيفا “يقول المرء لنفسه: لن أغلق الكتاب، بل سأقرأ الفصل التالي. لكن الفصل التالي يعطي إجابات أخرى ويؤدي إلى ألغاز أخرى”.

ودفع نجاح الرواية دوما إلى كتابة تتمَتَين هما “بعد عشرين عاما” (Vingt ans apres) عام 1845 و”لو فيكومت دي براغولون” (Le Vicomte de Bragelonne) التي امتدت حلقاتها ثلاث سنوات (1847-1850).

ونشر دوما أيضا عام 1844 رواية متسلسلة أخرى ظلت مشهورة هي “كونت مونتي كريستو” (Le Comte de Monte-Cristo) أُعلِن أن فيلماً سينمائياً سيقُتبس منها في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وأتاحت له هذه النجاحات الضخمة تحقيق حلمه وهو إيفاء ديونه وبناء منزل في بور مارلي ضمن المنطقة الباريسية، لكن الأمر لم يدم طويلا، إذ أفلس دوما مجددا اعتبارا من عام 1848.

إلى الأعلى