أخبار عاجلة
وسط دعوات لإيقافه.. مسلسل “فلّوجة” يصل إلى طاولة الرئيس التونسي

وسط دعوات لإيقافه.. مسلسل “فلّوجة” يصل إلى طاولة الرئيس التونسي

متابعة بتجــرد: تعرض المسلسل التونسي “فلوجة” بعد ساعات قليلة من عرضه ضمن البرمجة الرمضانية لقناة الحوار التونسي الخاصة لهجوم شديد من قبل الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي ليمتد إلى وزير التربية مع مطالبات بإحالته على رئاسة الجمهورية، وذلك بسبب ما اعتبروه محاولة متجددة لبخس المدرسة والتعدي على حرمتها ورمزيتها وعلى كرامة العاملين بها وتشويه صورة التلاميذ.

ويضم المسلسل نخبة من الممثلين منهم ريم الرياحي وفارس عبدالدايم وكوثر الباردي وشاكرة رماح ونسيم بورقيبة ومحمد مراد ونعيمة الجاني ومحمد علي بن جمعة وسارة التونسي وهو من إنتاج فاضل بن عمار وإخراج سوسن الجمني.

ويطرح “فلوجة” مواضيع مختلفة تدور بين تلاميذ المعاهد، منها الحب والعلاقات العاطفية وتعاطي المخدرات وغسيل دماغ التلاميذ، لتجنيدهم في التيارات الدينية المتشددة.

ويصور المسلسل داخل أحد المعاهد التونسية (معهد رادس)، وأظهر في حلقته الأولى جوانب وخفايا الحياة المدرسية داخل المؤسسات التعليمية، وركزّ على ما يسودها من عنف وانحراف، كما تطرّق إلى ظاهرة انتشار ترويج واستهلاك المخدرات في المحيط المدرسي والعلاقات بين الجنسين.

ويبدو أن التلاميذ يطلقون على معهدهم اسم “الفلوجة” في إشارة إلى تكاتفهم في وجه الأساتذة، لاسيما الذين يفتقرون للخبرة.

لكن العمل أثار بعد عرض حلقته الأولى جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اختلفت الآراء بين من اعتبر أنه يسوّق للبذاءة والانحطاط الأخلاقي وطالبوا بالإيقاف الفوري له، فيما رأى آخرون أنه جسّد واقع المؤسسات التعليمية وما يحدث داخلها من عنف واعتداءات وانتشار للمخدرات، داعين إلى ضرورة تقبّل هذا الواقع والعمل على إصلاحه.

وبدأت موجة الانتقادات إثر نشر الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي في تونس لسعد اليعقوبي لتدوينة عبر صفحته على فيسبوك قال فيها إن “وزارة التربية وقّعت عقدا مع صاحب قناة الحوار التونسي وسمحت بتصوير المسلسل بمعهد رادس بعد أن حوّلوا اسمه إلى معهد بورقيبة مقابل التبرع ببعض أثاث التصوير للمعهد المذكور”.

وأضاف “حذرنا وزير التربية السابق فتحي السلاوتي والذي اتضح أنه لم يكن على علم بهذا العقد وأن مصالحه قامت بإمضاء الاتفاق دون إعلامه”.

وتابع “لكن الوزير عاد ليؤكد أن المسلسل سيخضع لرقابة الوزارة وستتوجه إلى الهايكا لطلب منعه لمخالفته للعقد قبل حلول شهر رمضان.. وبدأ العرض دون رقابة ولا حساب، يبدو الأمر أكبر من مجرد بعض أثاث”.

وأكد وزير التربية محمد علي البوغديري في تصريح الجمعة أنه اتصل برئيسة الحكومة نجلاء بودن التي عرضت بدورها الموضوع على رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أن هذا العمل الرمضاني “المهزلة” أساء إلى عموم المربين وإلى المعهد التونسي، كما ضرب صورة عملة التربية والقيّمين، إلى جانب أنه لا يعكس الصورة الحقيقية للتلميذ التونسي.

واعتبر أن ما عُرض يتنافى والأخلاق العائلية ولا علاقة له بشهر رمضان المعظم، ولا يعكس ما تقوم به الأسرة التربوية من عمل جاد وجبار من أجل إنقاذ المتعلمين والارتقاء بمستواهم الفكري والمعرفي.

ومن جهتها أدانت الجامعة العامة للتعليم الثانوي، في بيان، تحت عنوان “لا لمزيد ترذيل المؤسسة التربوية” ما تضمنه المسلسل من إساءة اعتبرتها بالغة للمدرسات والمدرسين ولعموم الأسرة التربوية، داعية إلى فتح تحقيق جدي وعاجل في الظروف التي تم فيها الترخيص بتصوير هذا المسلسل التجاري من طرف قناة خاصة داخل إحدى المؤسسات التربوية العمومية خارج كل الضوابط القانونية مع ما شاب هذا الترخيص والمنتفعين به إداريا وقضائيا.

كما دعت الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي والبصري (الهايكا) إلى اتخاذ ما يجب من إجراءات تجاه الإخلالات البيّنة التي قامت بها هذه القناة بعرضها لهذا العمل التلفزيوني دون احترام لما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل (توقيت البث، عدم التنصيص على الفئة العمرية الموجهة إليها، المضامين الإعلانية الضمنية لمواد يمنع إعلانها).

وطالبت الجامعة المندوب العام للطفولة بالتدخل الفوري لما تضمنه هذا العمل من مساس بحرمة الطفل الجسدية والنفسية وما يمكن أن يترتب عن مضامينه غير التربوية من انعكاسات على سلوكه ومساره التعليمي وتكوينه النفسي والذهني.

وقالت إن ما تميزت به الحلقة المعروضة من افتقاد إلى أدنى مقومات الفن ومقاييسه الجمالية قد جعل منها مجرد محاولة متجددة لتبخيس المدرسة وتبيض أفعال وممارسات من واجب الفن نقدها ومعالجتها وليس التطبيع معها وتعميمها وإظهارها في قالب السلوك الذي علينا قبوله والتعايش معه.

كما عمد عدد من المحامين إلى تقديم دعوى استعجالية أمام أنظار المحكمة الاستعجالية بتونس، الجمعة، للمطالبة بإيقاف بث المسلسل.

وقام المخرج (Lassâad Bel Ghayeb) بنشر الوثيقة التي قدمتها قناة الحوار التونسي إلى وزير التربية والتعليم للحصول على موافقته، داعية إلى “رفع قضية في التحيل والتدليس ضد الفاسد سامي الفهري والزج به في السجن.. المطلب المتعلق برخصة التصوير تضمن تسمية المسلسل بعنوان (خليل).. في حين أن  العمل المعروض اسمه (الفلوجة)… أي تحيل وتدليس… خليه يخلص”.

وتسأل الباحث في الإعلام صلاح الدين الدريدي: حرية التعبير أم حرية التدمير؟ إعلامنا تنقصه العقيدة. لا أستغرب ما يحدث في مسلسل فلوجة. بعضهم يقول بأنه مجرد fiction (خيال). هوليوود صنعت خيالا واحدا هو عظمة أميركا.

فيما أبدى عدد من النشطاء على موقع فيسبوك استياءهم من موجة الانتقادات المطالبة بإيقاف العمل الذي ما كاد يرى النور، حيث كتب المخرج التونسي أيوب الجوادي “كل أنواع المخدرات تباع أمام المعاهد الثانوية… والعديد من الناشطين والباحثين أطلقوا صيحة فزع منذ سنوات والدولة لا حياة لمن تنادي، أكثر من 100 ألف منقطع عن الدراسة كل سنة وفي سن مبكر جدا.. والعديد من الناشطين والباحثين أطلقوا صيحة فزع ولا حياة لمن تنادي.. وضعية كارثية وحجب للأعداد والدنيا ماشية زي الفل.. يتعدي شوية (القليل) من الحقيقة في حلقة متاع مسلسل تتجند الدولة لكي توقفوه.. مقلقهم أن يشاهدوا حقيقتهم وموش مقلقتهم حقيقتهم.. هيا نوقفو المسلسل ونخليو الحقيقة كيما هي”.

وعارضت مغردة اسمها رجاء بوزيد وهي مرافقة ومدربة مختصة في صعوبات التعلم فكرة إيقاف المسلسل، قائلة “بدل التنديد بالمسلسل وجب التوعية وإظهار مخاطر هذه التصرفات والسعي للحد منها، كما علينا أن ندقق أن أبناءنا ليسوا من أولاد الفلوجة، وأن علاقة الأستاذ بالتلميذ تتعدى كونها علاقة صدام، لكن بدون إنكار الشاذ.. علينا أن نسعى جميعا للقضاء على هذه المظاهر”.

وقدم الأستاذ الجامعي عبدالجليل بوقرّة حلا وسطا يمنع إيقاف العمل ويهدئ من غضب المعارضين له، حيث كتب عبر صفحته على فيسبوك “من المرجح أن يتم منع مسلسل فلوجة من البث بدعم غبي من جزء كبير من الرأي العام… هذا الجزء الكبير لا يعلم أنه سلّم أمره إلى آلة المنع التي إذا اشتغل محركها فإنه لن يتوقف لأن شاهيتها مفتوحة ولا حد لها، فهي تلتهم الحجر والخبز… الجيد والرديء… وسيكون إيقاف محركها عملا صعبا ومكلفا”.

وأضاف “لكن كيف يقبل المجتمع أو جزء كبير منه تهديد قيمه حسب زعم أنصار المنع؟ طبعا لا فائدة من التذكير بتفشي ظاهرة النفاق الاجتماعي والرياء… ولا فائدة الآن من القول بوجود قنوات أخرى يمكن مشاهدتها وبأنه على التوانسة مقاطعة ما يرونه هابطا من البرامج التلفزية… كلها اقتراحات غير مسموعة عندما يتهستر الرأي العام بفعل فاعل”.

وتابع “لذا والحالة تلك يمكن اقتراح حل وسط مثل إجبار قناة الحوار على تأخير توقيت البث إلى ما بعد العاشرة ليلا ووضع تنبيه بأنه عمل ممنوع على الأطفال مشاهدته…. الحلول موجودة إذا توفرت الإرادة السياسية في التصدي إلى آلة المنع الجهنمية”.

وكشفت سارة التونسي التي تجسد دور أستاذة الرياضيات التي ظهرت في الحلقة الأولى في صدام مع التلاميذ في بيان إعلامي سبق عرض المسلسل أن “(الفلوجة) يعد العمل الدرامي الأول لها في تونس”، معتبرة “الأمر تحدي كبير لها، لأنها سوف تظهر للجمهور بشكل مختلف”.

ولفتت إلى أن “الشخصية التي ستؤديها شدتها كثيرا منذ قرأت السيناريو مما جعلها توافق على المشاركة في المسلسل”.

ورغم تباين الآراء التي لم تسفر حتى الساعة عن قرار رسمي بإيقاف عرض المسلسل، فإنه لا يمكن إنكار ما تعيشه المنظومة التعليمية في تونس من مشاكل عديدة أدت إلى نتائج كارثية، ومنها تردي المناهج التعليمية وانتشار الجريمة والمخدرات في الوسط الطلابي، ما زاد من نسب الانقطاع المبكر عن التعليم.

وكانت دراسة حديثة حول “استعمال الكحول والمخدرات في الوسط المدرسي” أكدت أن نفاذ المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما إلى تدخين السجائر وتدخين النرجيلة واستنشاق المواد المخدرة، وخاصة اقتناء مادة القنب الهندي أصبح أمرا سهلا.

إلى الأعلى