أخبار عاجلة
“الثمن”.. دراما Soap Opera متكاملة الأركان

“الثمن”.. دراما Soap Opera متكاملة الأركان

القاهرة – عصام زكريا: أثار مسلسل “الثمن” الذي بدأ عرضه على “mbc 1” ومنصة “شاهد” ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، تتراوح بين الإعجاب الشديد بالقصة والممثلين، والتعليق على قصة الحب الرئيسية التي ظهرت خلال الحلقات الأولى بين شخصية زين (باسل خياط) رجل الأعمال المعقد نفسياً من النساء، وشخصية سارة (رزان جمال)، الأرملة الجميلة التي تلتحق بالعمل لدى زين لتوفير نفقات علاج ابنها المريض.

ينتمي “الثمن” موضوعاً وقالباً وتفصيلاً إلى ما يعرف بـ”Soap Opera”، أو تلك المسلسلات الممتدة الحلقات التي تكون فيها النساء محور الأحداث، ومعظم الجمهور.

وتتوفر في العمل معظم مقومات نجاح الـ”Soap Opera”، مغلفة في إطار ملون يخطف العين: نساء ينعمن بالجمال والأناقة، ورجال يتمتعون بالوسامة والثراء (على أحدث موديل)، وقصص حب مليئة بالعواطف والعواصف، وسرد متشعب الخطوط يدور بلا نهاية بين الحاضر والماضي والمستقبل حول حدث درامي صغير ولكنه قوي مثل الأسطوانة التي تلتف حولها الخطوط، ومتابعة الجمهور، واعتماد على المصادفات القدرية، والتحولات الشديدة في الشخصيات، ولنفحص بالتفصيل هذه العناصر كما تتجلى في “الثمن”.

باسل خياط، صار الممثل المفضل لكثير من صُناع الدراما العربية في الآونة الأخيرة، خاصة في الأدوار المركبة والسيكوباتية، وعادة ما يختلف المشاهدون حول طبيعة أداءه الذي يتسم بالمبالغة، لكن أهم ما يميزه، كما يظهر في “الثمن”، هو قدرته على إثارة النفور والانجذاب، الخوف والتعاطف في آن واحد، وخلال الحلقات التي عرضت حتى الآن من العمل يؤكد خياط هذه القدرة، ويتنقل بين وجه الرجل القاسي والعاشق المسكين بمنتهى السلاسة.

رزان جمال شاركت في بطولة الكثير من المسلسلات والأفلام من قبل، لكنها هنا مختلفة شكلاً وأداءً، إنها تملك حضوراً طاغياً، يشيع إحساساً في أي مشهد تظهر فيه، شخصيتها هي محور الدراما التي تلتف حولها بقية الشخصيات (رغم أن المسلسل يبدأ بصوت باسل خياط كراوٍ للأحداث)، وهناك جهداً مبذولاً من قبل مخرج العمل فكرت قاضي، وفريق التصوير والملابس والماكياج، لتأكيد حضور رزان: دائماً في أبهى حلة، وفي أفضل إضاءة وزاوية تصوير.

وهي تبدو معظم الوقت كما لو كانت تمثالاً إغريقياً أو لوحة لأميرة من عصر النهضة، جميلة ولكنها بعيدة، جذابة ولكن بملابسها العابرة للجندر (غالباً في بنطلون وجاكت، أو ملبس من لون واحد، وغالبا شعرها ملموم في جديلة واحدة على هيئة ذيل حصان).

وبجانب باسل ورزان، هناك ثنائي جذاب من نوع آخر، أكثر بساطة وواقعية: نيقولا معوض في دور شريك وصديق “زين” الطيب والمرح، وسارة أبي كنعان في دور “تينا”، صديقة سارة المقربة وزميلتها في العمل.

يدور موضوع المسلسل حول واحدة من الثيمات الشهيرة: أرملة شابة تحاول إنقاذ ابنها المريض المهدد بالموت إن لم يجر عملية جراحية عاجلة، فتضطر إلى قبول “عرض غير مهذب” من مديرها رجل الأعمال الشاب، بقضاء ليلة معه مقابل الحصول على المال المطلوب لعملية ابنها.

الفكرة قديمة، سبق أن تناولتها عشرات الأعمال الأدبية والسينمائية الميلودرامية، وتخصص فيها المخرج المصري حسن الإمام، حتى باتت من النماذج التي يضرب بها المثل، لكن السينما الأميركية أعادت تقديمها في حلة جديدة منذ 30 عاماً في فيلم بعنوان “Indecent Proposal” الصادر عام 1993، إخراج أدريان لين، وبطولة ديمي مور، وودي هارلسون، وروبرت ردفورد. 

في الفيلم البطلة ليست أرملة أو عازبة، ولكنها متزوجة، وهما يعانيان من مشاكل مادية، فيقبلان عرض رجل أعمال ثري بقضاء ليلة مع الزوجة مقابل مليون دولار، ورغم أن كل مشاكلهما تنتهي، إلا أن آثار الليلة تظل تخيم على علاقتهما ويدفعان ثمنها غالياً.

الجديد في الفيلم الأمريكي كان معالجته “الواقعية” للموضوع، فالزوجة كان بإمكانها الرفض ولم يكن لديها طفل جائع أو أم تحتضر، كما أن الرجل الثري (ردفورد) يتمتع بجاذبية قد تفوق جاذبية زوجها.

مسلسل “الثمن” مقتبس من المسلسل التركي Binbir Gece، أحد كلاسيكيات الـ”Soap Opera” التركية، والذي بدأ عرضه في تركيا عام 2006، واستمر لـ3 مواسم في 90 حلقة، وقد تم تعريبه صوتياً تحت اسم “الحب يبقى”، وعُرض على الفضائيات العربية منذ 2008. 

“الحب يبقى” في تصوري، كان توليفة شرقية غربية، على عادة الأعمال التركية، مستلهمة من أفلام الميلودراما المصرية والتركية ومن المعالجة العصرية الواقعية لفيلم “Indecent Proposal”.

رغم أن “الحب يبقى” شوهد على نطاق واسع في العالم العربي، إلا أن “الثمن”، وهو بالتأكيد أقل جرأة من النسخة التركية، فاجأ الكثير من المشاهدين في حلقاته الـ3 الأولى، التي تصور الحدث الرئيسي الذي أشرنا إليه.

العمل من إخراج التركي اللبناني فكرت قاضي، الذي تخصص على ما يبدو في نقل الأعمال التركية إلى العربية، كما فعل في “عروس بيروت” و”ع الحلوة والمرة”، إن لم يكن اقتباساً مباشراً، فروحاً وموضوعاً وأسلوباً. 

هناك بعض الاختلافات بالطبع بين النسختين التركية والعربية، حيث قامت الكاتبة ريم مشهدي بتعريب وتعديل الشخصيات قليلاً لتتناسب مع البيئة التي تعيش فيها، لكن بشكلٍ عام، كان يمكن أن يدور المسلسل في تركيا، بممثلين وشخصيات تركية، ولن يلاحظ المشاهد الفرق، خاصة وأنه يخلو (على الأقل في الحلقات التي عرضت حتى الآن) من تفاصيل تخص لبنان أو أي بلد عربي آخر.

هذا العالم الخيالي من خصائص الـ”Soap Opera”، و”الميلودراما” التي توفر لمشاهديها، ومشاهداتها بالأساس، هروباً من الواقع اليومي، إلى عالم تتجسد فيه تخيلات مستمدة من الواقع، ولكن لا تشبهه.

يركز “الثمن”، مثل معظم أعمال الـ”Soap Opera”، على حياة الأثرياء، حيث يبدو المال وكأنه يسقط من السماء، ويستعرض فخامة ورفاهة حياتهم التي لا يفسدها شيء سوى الخيانات الزوجية ومشاكل الحب (كما يظهر في العائلات الثلاث المحيطة بالبطلة، عائلة زين وصديقه كرم وهما أقرب لعائلة واحدة بحكم قرابة الأمهات وصداقة الابنين، وعائلة إبراهيم، حما سارة الذي رفض قديماً زواج ابنه منها، وقاطعهما).

بقية الشخصيات مجرد كواكب تدور في فلك العائلتين الرئيسيتين، إما طيبون مخلصون يحبون سادتهم بلا تحفظ (مثل تينا صديقة البطلة  أو مربية طفلها) أو حاقدون متآمرون (مثل زوجة ابن إبراهيم الثاني وأخوها المبتز). 

من السابق لأوانه أن نتحدث عن الشخصيات وتحولاتها والعمل لم يزل في بدايته، لكن انتقال الجد إبراهيم (رفيق علي أحمد) من كراهية “سارة” وغضبه من ابنه الراحل إلى شخص في غاية الطيبة فجأة، لم يكن مقنعاً، كذلك تحول “زين” من القسوة والغلظة تجاه النساء إلى النقيض بعد علمه بمرض ابن “سارة” وسبب قبولها لعرضه “غير المهذب” كان يحتاج إلى مزيد من الوقت.

أخيراً، أفضل ما في “الثمن” هو قدرة المخرج وفريق عمله على صنع لحظات عاطفية مؤثرة، تدفع بالدموع إلى المآقي، وقيادته الجيدة بشكلٍ عام لفريق الممثلين.

إلى الأعلى