أخبار عاجلة
مسلسل Kaleidoscope.. فكرة لامعة ومعالجة بالية

مسلسل Kaleidoscope.. فكرة لامعة ومعالجة بالية

متابعة بتجـــرد: دعاية كبيرة سبقت مسلسل Kaleidoscope، الذي بدأ بثه على منصة “نتفليكس” في اليوم الأول من العام الجديد، اعتمدت على أنه عمل تجريبي جديد من نوعه، يمكن مشاهدة حلقاته دون ترتيب محدد، كما أن كل حلقة تحمل اسم لون معين. 

ورغم الأفكار اللامعة الجذابة، لكن المسلسل جاء مخيبا للآمال فنياً، والأعجب أنه جاء تقليدياً ومكرراً.

حلم البناء المفتوح

من ناحية البناء الشكلي والسردي للعمل، فإن فكرة كتابة عمل أدبي يمكن الدخول إليه من أي صفحة حلم قديم، ولعل أشهر عمل يحمل بذور هذا البناء هو حكايات “ألف ليلة وليلة”، التي يتحقق فيها، إلى حد ما، منطق البناء المفتوح بلا بداية ولا نهاية. 

بعد قراءة المقدمة الأولى لليالي، التي تروي قصة شهريار قبل لقائه بشهرزاد، يمكن للقارئ أن يقرأ معظم القصص بدون ترتيب، وحتى عندما تكون الحكاية متفرعة من حكاية أخرى، فإنها تتخذ مساراً مستقلاً لا يحتاج من القارئ أن يعرف الحكاية الأقدم. 

الأديب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، كان لديه أحلام سردية مماثلة في عدد من أعماله. 

في كتاب “رائحة الجوافة”، الذي يتكون من حوارات مع الأديب الكولومبي الراحل جابريل جارثيا ماركيز، يعرب عن حلمه بكتابة رواية متعددة الأبواب يمكن الدخول إليها من أي فصل. 

في الحقيقة حقق ماركيز حلمه بكتابة روايته القصيرة البديعة “سرد أحداث موت معلن”، وقد ساعدته فكرة الرواية على ذلك، فالحدث الأساسي معروف منذ السطور الأولى، وهو مقتل شاب اسمه سانتياجو نصار، وكل فصل يروي قصة موته بتفاصيل وخلفيات مختلفة، وبالتالي يمكن للقارئ أن يرتب قراءة الفصول كما يشاء ولن تفقد الرواية أيا من تشويقها ومتعتها.

أما في السينما فقد حقق المخرج كوينتن تارانتينو بالفعل هذا الحلم منذ 30 عاماً، بفيلمه البديع Pulp Fiction الذي يتكون من 4 حكايات مرتبة عشوائياً دون التزام بترتيب حدوثها الزمني، وبالتالي يمكن تقسيم هذا الفيلم لـ4 حلقات ومشاهدتها بأي ترتيب يراه المشاهد.

هذا بالضبط ما يحاول إريك جارثيا مؤلف ” Kaleidoscope” والمشرف على صنعها، أن يفعله من خلال مسلسله، إذ يتكون العمل من 8 حلقات يمكنك أن تشاهد أيا من حلقاته الـ7 الأولى دون ترتيب، على أن تشاهد الحلقة التي تحمل اسم “أبيض” في النهاية. 

ويعبر عنوان المسلسل، ” Kaleidoscope”، أو “المشكال” وفقاً لترجمة مجمع اللغة العربية للكلمة، عن هذا المعنى، فالكلمة تشير إلى اختراع قديم يتكون من أنبوب يحتوي على كريات ملونة، تغير أشكالها كلما نظرت إليها من زاوية مختلفة، وكان الناس ينبهرون بمشاهدته قبل اختراع السينما.

ألوان بلا مضمون

الفكرة الثانية التي اعتمدت عليها دعاية ” Kaleidoscope” هي اعطاء اسم لون لكل حلقة، وبالطبع ليست هذه فكرة جديدة، فقد سبق إليها المخرج البولندي الفرنسي كريستوفر كيشلوفسكي منذ 30 عاماً تقريبا عندما صنع ثلاثيته “أزرق”، “أبيض” و”أحمر” التي تحمل ألوان العالم الفرنسي.

هذا عن الشكل الذي اتخذه مسلسل ” Kaleidoscope”، فماذا عن المضمون؟

مؤلف العمل ومبتكره إريك جارثيا هو كاتب روايات أمريكي سبق أن تحولت واحدة من رواياته، وهي “رجال عود الثقاب” Matchstick Men، إلى فيلم من إخراج ريدلي سكوت في 2003. 

وبجانب الرواية فقد كتب جارثيا عدداً من سيناريوهات الأفلام والمسلسلات، أما في ” Kaleidoscope” فهو يشارك في كتابة العمل ويشرف على بقية عناصره ويعمل كمنتج منفذ له. 

وكان يفترض، بما أنه كاتب بالأساس، أن يكون السيناريو أقوى عناصر العمل، ولكن الغريب أن أضعف ما في العمل هو الكتابة.

لا جديد

يدور المسلسل حول سجين عجوز يدعى ليو باب (جيانكارلو إسبوزيتو)، يصاب بمرض الرعاش (باركنسون)، فيقرر الهرب، والسفر للخارج، ولكن يغير رأيه عندما يجد ابنته تعمل لدى صديقه القديم الذي خانه (روفوس سويل)، والذي اتخذ لنفسه اسماً جديداً وأصبح أشهر صاحب خزانة لحفظ الأموال والودائع الثمينة، يلجأ إليه علية القوم الذين تصل ثروة كل منهم إلى بضع مليارات. 

يقرر ليو الانتقام من صديقه بسرقة هذه الخزائن، ويجمع عصابة مكونة من حبيبته وشريكته القديمة أفا ميرر (باز فيجا)، وزميل زنزانته القديم ستان لوميس (بيتر مارك كيندال)، وآخرين.

لا جديد هنا، ولا بعد ذلك، فالقصة من بدايتها إلى نهايتها سبق تقديمها في السينما والتليفزيون عشرات المرات.

ورغم جودة الفكرة، إذ يستطيع المشاهد أن يبدأ بمشاهدة حلقة تدور قبل 24 سنة قبل السطو، أو حلقة تدور قبل 5 أيام قبل السطو، أو حلقة تدور بعد يوم من السطو، لكن مهما فعل لن يجد شيئا جديداً أو مدهشاً، وفي كل الأحوال يمكنه استنتاج ما حدث أو ما سوف يحدث دون أدنى جهد، وذلك لإن الكتابة والتنفيذ رديئان لدرجة إفساد الفكرة الجيدة.  

من ناحية المضمون لا عمق للشخصيات، ولا مبررات درامية تجعل المشاهد يتعاطف معهم، ربما باستثناء ليو، وذلك بفضل جيانكارلو أسبوزيتو، أما بقية الممثلين فمتواضعين أو متوسطين في أفضل الأحوال. 

إخراج بليد

يمتد هذا التواضع إلى الإخراج بشكل عام، رغم فكرة الألوان التي كان يمكن استغلالها جيداً، ورغم وجود مخرج لكل حلقة ما يخلق حالة من التنافس والتجويد.

ولعل أفضل حلقة هي التي تصور عملية السطو الكبيرة وتفاصيلها، أما أسوأها فهي حلقة العودة في الزمن، التي تروي ماضي ليو وصديقه الخائن، فهي رديئة الكتابة والتنفيذ وحتى الماكياج الذي يضعه الممثلون ليصبحون أصغر بربع قرن ردئ للغاية. 

والحلقة التي تعقب السطو مباشرة، تبدو كتقليد بليد لفيلم تارانتينو ” Reservoir Dogs” (كلاب المستودع)، أما حلقة النهاية التي تروي وقائع ما بعد الجريمة بشهور ضعيفة، بل مضحكة أحياناً، خاصة عندما يقوم إثنان من أفراد العصابة، سجينان سابقان، وهاربان من الشرطة والمباحث الفيدرالية بسبب عملية السطو، بزيارة السجن للقاء صاحب الخزائن الذي سجن بعد انكشاف أمره.

يقال إن الفكرة والموضوع ليسا مهمين في الفن وأن الأهم هو المعالجة، وهذه المقولة تنطبق على ” “Kaleidoscopeكأفضل ما يكون.

إلى الأعلى