متابعة بتجــرد: ما أشبه اليوم بالبارحة، مثلما كانت أغنية “10، 11، 12 دقت الساعة بالليل وأنا وحدي” علامة فارقة في مسيرة الموسيقار الراحل ملحم بركات في سبعينات القرن الماضي، كانت – بعد خمسين عاماً – علامة جديدة في علاقة السعوديين بالغناء اللبناني الذي ترسخت محبته في قلوبهم وتغنوا به في ليلة “رحبانيات”، قبيل أيام من استقبال العام الجديد 2023.
خلدت الموسيقى الشعبية الأميركية إلفيس بريسلي كأيقونة ورمز لا يموت، وهكذا خلدت الموسيقى الكاتب والملحن اللبناني إلياس الرحباني والمطرب ملحم بركات ونجوم الأغنية اللبنانية في قلوب الملايين عبر العالم العربي، بعد حفلة استثنائية عزف فيها غسان إلياس الرحباني، وغنى فيها جيلبير جلخ ورانيا غصن الحاج، وشهدت عرضين للدبكة اللبنانية في قلب الرياض.
آخر جيل الرحابنة الأول
أردى فيروس كورونا إلياس الرحباني، فرحل عن عالمنا. وبعد أفول زمان كورونا، انتصر الرحباني وعاد إلى المسرح بإرثه العريق. ففي حفلة “رحبانيات” أقيمت ضمن موسم الرياض على مسرح أبو بكر سالم، ونُقلت على الهواء مباشرة، كان لافتاً الحضور النسائي لليلة لبنانية خالصة، رددت السيدات والفتيات خلالها أشهر أغاني آخر أبناء جيل الرحابنة الأول بعد شقيقيه الأكبرين عاصي ومنصور.
سهر الجمهور حتى منتصف الليل مع غسان الرحباني، وهو يستذكر والده الذي عرف عنه حبه للسهر والعمل حتى ساعات متأخرة من الليل في تأليف الكلمات والألحان والمسرحيات.
كان الجمهور سريعاً في البحث عبر “غوغل” عن كلمات الأغاني فور بدئها، لا سيما الفتيات اللاتي كانت الليلة الغنائية فرصة لهن للتعرف إلى إرث الرحابنة الغزير ومصافحة غسان للمرة الأولى، وأفصحن عن حرصهن على تعزيز علاقتهن بإرث لبنان الفني الذي اكتسب سمعة كبيرة في مختلف الدول العربية منذ الستينات والسبعينات.
فكرة جديدة
قدم غسان الرحباني وفرقته الأوركسترالية وجلخ والحاج باقة من أجمل ما قدمه الراحل الكبير الياس، بطريقة جديدة كلياً، في قصة من نسج الخيال، تروي تفاصيل حياة شاب عائد إلى وطنه بعدما غادره مع عائلته منذ الصغر، وبعد مرور 15 عاماً على غيابه قرر العودة إلى بلدته، فالتقى أصدقاء الطفولة والأقرباء، ومن بينهم صبية أعجب بها، وصودف أنها كانت نفسها صديقة الطفولة، وأخذا يستذكران معاً أيام الماضي الجميل، عندما كانا طفلين يلهوان معاً، فبدأت تنشأ بينهما قصة حب، أبحر فيها غسان من خلال كلمات إلياس الرحباني وألحانه.
فكرة العمل الجديدة من حيث بنائها الدرامي الخيالي لقيت استحسان الجمهور، إذ أوجدت الفكرة ترابطاً بين الأغاني المقدمة، تخللها عرضان للدبكة بالأزياء التراثية التي تعبر عن هوية لبنان.
حضور سعودي طاغٍ
كانت غالبية الحضور من السعوديين، ونسبة أقل من اللبنانيين والعرب، تفاعلوا بأصواتهم والتصفيق والصور التذكارية مع فنٍ راقٍ، ارتبط باسم الرحابنة، مثلما ارتبطوا هم بجارة القمر فيروز ونخبة من رموز الأغنية اللبنانية مثل وديع الصافي ونصري شمس الدين وجورجيت صايغ ومروان محفوظ.
انطلقت الليلة الرحبانية بأغنية “جينا الدار يا أهل الدار ليلتكن سعيدة”، وغنى فيها “يا قمر الدار”، “بيني وبينك”، “لا متلها في حدا ولا متل دارا دار”، “ضوء القمر”، “تحت الشباك ناطر”، “عوافي يا زهية”، “قتلوني عيونا السود”، “يا طير الوروار”، “كنا نتلاقى”، “كذابة” (لحكمت وهبي)، “كان عنا طاحون”، “حنا السكران”.
خفّة ظل الرحباني بحذافيرها
حضرت خفة ظل إلياس الرحباني وروح النكتة والطرافة التي كان يتمتع بها، من خلال أغانيه الشهيرة لملحم بركات، مثل (10، 11، 12، دقت الساعة بالليل وأنا وحدي) التي غناها في مسرحية “أيام صيف”، وشارك فيها وديع الصافي، نصري شمس الدين، هدى (أخت فيروز)، وجورجيت صايغ.
وأتبعها جيلبير جلخ بأغنية “لا تهزي كبوش التوتي، ما بحبك لو بتموتي، أنا يا بنت مجوّز، زلمة عاقل بيتوتي”، للشاعر الراحل ميشال طعمة، وألحان الرحباني.
بعد الأغنية عاتبت الحاج صديقها جلخ على غنائه هذه الأغنية لها رغم مرور 10 سنوات على آخر لقاء، وعاتبت الجمهور أيضاً على التصفيق له، لترد بأغنية “يا عنتر” التي غنتها فرقة “الفور كاتس”، ولا تخلو أيضاً من الطرافة والتندر على الأزواج.
غنى جلخ والحاج أغاني الحب، وأنشدا للسلام، فقد كان إلياس الرحباني يحلم بلبنان السلام، ولحن أغنية “عم بحلمك يا حلم يا لبنان” لماجدة الرومي، وكانت مسك الختام لليلة مليئة بالحب والبهجة، بأصوات وأنغام لبنانية حلقت إلى قلوب السعوديين.