أخبار عاجلة
تغني لنازحين بلا مأوى وأيتام بلا حضن.. صوت يمني قادم من تحت ركام الحرب

تغني لنازحين بلا مأوى وأيتام بلا حضن.. صوت يمني قادم من تحت ركام الحرب

متابعة بتجـــرد: كشفت النجمة اليمنية ماريا قحطان، عن فيديو كليب جديد بعنوان “الطفولة والسلام” من المقرر تصويره وطرحه قريباً على قناتها على “يوتيوب”، والتي يتابعها قرابة المليون مشترك، وأضافت ماريا في حديث حصري مع “العربية” أنها بصدد تسجيل أغنية وطنية بمشاركة نجوم الأغنية اليمنية.

ماريا الطفلة التي لمع نجمها، في برنامج “ذا فويس كيدز” الذي يبث على قناة “أم بي سي”، كبرت سريعاً وصار عمرها 12 ربيعاً، وُلدت موهبتها في زمن الخراب، تتحسس مستقبلها الغامض بحذر، حالها حال ملايين الأطفال اليمنيين القابعين خلف أسوار الظلام والحرمان، وتصرّ أن تكون مرآتهم في الحلوة والمرة.

تتذكر معهم حلمها الأول أن تصبح طبيبة أطفال، كأنها تريد أن تقول لهم أريد أن أكون أماً لكل الأيتام الذين لا يملكون ثمن الخبز والحلوى والعلاج.

ماريا القادمة من مديرية بعدان بمحافظة إب اليمنية، تقيم حالياً مع أسرتها في حي مذبح أكثر أحياء العاصمة صنعاء فقراً، تدرك بفطرتها أن طلّتها تمثل طفولة يمن بكامله، نذرت شجوها للتعبير عن آلامهم وأمالهم معاً، فاتحة لهم نوافذ بعيدة بصوتها نحو غد أبيض ومشرق، ماضية معهم بأمان الله تخاطر بنفسها حين تذهب للقائهم من حفل إلى حفل، لإيجاد مخرج آمن لهم من سراديب مصير أسود.

قبل أيام أحيًت حفيدة الملكة أروى حفلاً في محافظة تعز، ازدحمت الشوارع أثناء مرور موكبها، وكأنها بلقيس عصرها، خاطبت ماريا من روعتهم الدبابات وأصبحوا نازحين بلا مأوى، ولاطفت من هجرتهم المصفحات وأضحوا أيتاماً بلا حضن.

وجع المآتم وصرخات الأمهات

لكل محارب سلاحه، ولماريا، صوتها الطفولي الذي يعلو فوق أصوات المدافع، وسط عالم مهووس بالمجابهات، تشدو ابنة اليمن السعيد مواويل تضج في أرجاء الدنيا كلها، ترجو العالم قليلاً من سلام، تشكو إلى آلة العود تعب شعب بكامله، تعبر عن وجع المآتم وصرخات الأمهات الثكلى حول ضحايا الجبهات، تنقل أنينهم بالأغنيات لكل أطراف النزاع في بلاد أنهكتها الحروب، تخاطب وجدان الإنسانية من أجل أن يعيش أحفاد الملكة بلقيس في وئام وسلام.

وترفع ماريا يديها، من تحت ركام الحروب، تغني للسماء “لن نستسلم للآلام” فتفتح الجرح إلى آخره، ورغم الحدود والفواصل والحصار، إلا أن صوت ماريا يظل حراً طليقاً، فتغني بالعراقي “تعال اشبعك حب” لتقول لأشقاء العروبة: “نحن لازلنا هنا نحب ونشعر ونتألم”.

وتدرك ماريا أن صوتها لا يكفي لتضميد كل الجراح، فتبادر بزيارة أطفال مصابين بالسرطان في عدن وصنعاء وغيرها خلال مناسبات وأعياد لتهنئتهم وتغني لهم، كلمات كاظم الساهر، “احنا في وطن كله محن.. كله وجع كله فتن” وتضيف:” لكم السلام والاحترام، لكن حرام في وطن السلام يصبح حطام أو ينسرق والله حرام”.

لا تكتفي بذلك، بل تفاجىء طفلة من ذوي الهمم وتغني لها بعيد ميلادها. تتمنى ماريا وغيرها كثيرون أن تضع الحرب أوزارها، وتوقن أنه مهما طال أمدها ستنتهي، لكنها ترجو بكل أمل أن تتوقف بأقل الآلام ممكنة.

كاريزما أسرت الملايين

موهبة ماريا اكتشفتها شقيقتها شيماء، إذ كانت تتأثر بأغنيات الشارة لمسلسلات الكرتون، وبدأت تقلدهم بالغناء منذ عامها الثاني، لتخطو على أعتاب النجومية، ثم تأتيها فرصة للمشاركة في برنامج “ذا فويس كيدز”، فتأسر قلوب الملايين بابتسامتها قبل صوتها، وبإصرار الواثقين وطموح اليافعين، تظهر بالبرنامج بسحر الكاريزما كما يصفها فناني لجنة التحكيم، لكنه ليس سحراً ولا نجومية بل إنه سطوع جوهرة قادمة من أعرق حضارة بشرية.

وعندما أطلّت لأول مرة في برنامج “ذا فويس كيدز”، لم يكن أحد يعرف شيئاً عن مواهب أطفال اليمن وشغفهم بحب الحياة، فكانت ماريا سفيرة لهم بطلتها الشامخة كما منازل الفلاحين على رؤوس الجبال، تفرش صوتها سفرةً للكادحين تماماً كمدرجات “إب” الخضراء على السفوح.

وهي تغني أمام القيصر كاظم الساهر الذي اختارها ضمن فريقه، وراهن عليها كما يراهن على صوتها 30 مليون نبض يمني يعيشون تحت خط الفقر.

رسالة سلام ليمن آمن وسعيد

الطفلة الصغيرة بسنها، كبيرة بوعيها، تغني لكي تزرع بين ركام الدمار ورداً ووعداً ليمن آمن وسعيد، فيجهش معها الشجر، وينصت لها الحجر قبل البشر، ويهتف الجميع باسمها ماريا، إنها صوت اليمن القادم من تحت ركام الحرب، تحمل رسالة السلام من محافظة لأخرى، في ضحكتها تشرق صباحات البن، وفي تقاسيم وجهها ترتسم جغرافيا اليمن الكبير، أحيت مؤخراً حفلات العيد، في بلاد نسيّ أهلها طعمه ولونه وميقاته، أصبح العيد “يوماً عادياً” بالنسبة لهم، يكتفون فقط بالاحتفال بها كأنها نشيد عيدهم المفقود.

أغنيات تعبر الحدود رغم الحصار

وتؤدي ماريا رائعة المطرب البورتوريكي لوي فونسي، “ديسباسيستو”، لتحقق 3 ملايين مشاهدة، وتغني أخرى بشجن “لن نستسلم للآلام” فتفتح الجرح إلى أخره، تواجه الرعب بالحب، تقطع ماريا الجغرافيا بين المحافظات لتحيي حفلاً هنا وهناك، تنتصر بصوتها للحياة، فتطل وسط جماهير غفيرة ترتدي عنفوان الملكات، تستقبلها الجموع بالتلويح، فتتسع لرؤيتها الجفون التي أذبلتها طواحين الفقر والهموم، لتزين موكبها بالتصفيق والهتاف، ترفع ابتسامتها راية بيضاء لإسعاد الصغار والكبار في ظل حصار مطبق سرق البهجة من وجوه أبناء تبع وحمير، وصادر إرادة شعب بسيط ولد وسيموت حراً، شعب يرفض كل خنوع تحت أي تهديد أو قيد.

وأمام ترديد شعارات الموت التي خنقت ما بقي من حياة، ووسط أسوار قمع مفروض لا مهرب منه، تتحدى ماريا لغة النار وتحلق مثل فراشة من العتمة إلى الضوء، متنقلة من منطقة لأخرى سفيرة للقلوب، وصوتاً طفولياً أبيض يلحن وجع شعب بكامله، تروي به قصص الخراب وتضمد دم الوطن المطعون من الظهر، لتنشر رسالة وئام وسلام لكل لإنسانية، وتشدو: “هنا اليمن أم الحضارات تظل تقاوم ولن تموت”.

إلى الأعلى