السينما الإسبانية تفقد أحد كبار مخرجيها.. رحيل كارلوس ساورا قبل يوم واحد من تتويجه بلقب غويا الشرفي

متابعة بتجــرد: فقدت الساحة السينمائية الإسبانية، يوم 11 فبراير/شباط، المخرج كارلوس ساورا، عن عمر يناهز 91 سنة، تاركا وراءه إرثا سينمائيا، خمسين عملا سينمائيا ما بين أفلام تخييلية ووثائقية، مساهما في إثراء الخزانة السينمائية الإسبانية والعالمية.
رحل كارلوس ساورا، قبل يوم من تسلمه لقب غويا الشرفي، الذي كان من المنتظر أن يعلن عن تسلمه في مدينة إشبيلية.. وفي وقت سابق، قررت الأكاديمية الإسبانية للفنون والعلوم السينمائية، تسليم لقب غويا الشرفي لمخرج “يمثل تاريخ السينما المعاصرة في إسبانيا”، في مقر إقامته في العاصمة الإسبانية مدريد، بعد إعلانه تعذر حضوره لمكان إقامة الحفل السينمائي في مدينة إشبيلية.. وكان كارلوس ساورا يعيش فترة نقاهة نتيجة المضاعفات التي عانى منها إثر سقوط مفاجئ جعله يتغيب عن تقديم آخر فيلم له “الجدران تتكلم” (2022) في مهرجان سان سيباستيان السينمائي الدولي.. وترك ابن مدينة وشقة بصمته الفنية على السينما الإسبانية والعالمية على حد سواء، فمنذ فيلمه الوثائقي “كوينكا” المتوج في مهرجان سان سيباستيان سنة 1958، وفيلم “لاكاثا” أي الصيد، الفائز بجائزة الدب الذهبي لأحسن إخراج، في مهرجان برلين الدولي سنة 1965، جعلت الأوساط السينمائية تتحدث عن ميلاد مخرج استثنائي قادم من شبه الجزيرة الإيبيرية، يعالج جرحا غائرا في بلاده بلغة استعارية ورمزية، جعلته ينتصر للغة السينمائية دون السقوط في فخ المعالجة المباشرة لمأساة الحرب الأهلية الإسبانية..
واعتبر رئيس أكاديمية الفنون والعلوم الإسبانية فرناندو مينديث لايتي، أن تكريم “عميد” المخرجين الإسبان النشيطين الذين استمروا في العمل في سن التسعين وتجديد الطاقة والموهبة: “فعل يمثل العدالة الشعرية للاحتفال بموهبة عزيزنا كارلوس ساورا”. وأضاف فرناندو مينديث لايتي، إن سينما كارلوس ساورا “تجسد نزعته السرية تجاه الكوميديا؛ فغالبا في أفلامه الأكثر دراماتيكية، تظهر ملامح هزل ذاتي للغاية، نادر جدا ودائما يكون ذكيا جدا”. وتابع رئيس أكاديمية السينما: “فاز ساورا بلقب غويا لأفضل إخراج وأفضل سيناريو مقتبس عن فيلم “أي كارميلا” والميدالية الذهبية للأكاديمية عام 1992، بالإضافة إلى ذلك، فإن أفلامه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي فتحت الأسواق ومنحت المكانة اللائقة للسينما الإسبانية، التي تم تكريمها في أهم المهرجانات”. وأكد مينديث لايتي قائلا: “ان المنتج إلياس كيريخيتا وكارلوس ساورا ممثلينا في مهرجان كان، ولم يسبق لهم أن طالبا بمقابل عن ذلك”. وعن تكريمه بلقب غويا الشرفي، اعتبر صاحب “أعراس الدم” (1981) في رسالة وجهها سابقا للأكاديمية، بعد إعلان تتويجه باللقب السينمائي، “بفضل الأكاديمية أحصل على هذه الجائزة التي أتلقاها بفرح وحماس كبيرين. سأبلغ من العمر91 عاما في يناير/كانون الثاني، أنجزت خلالها أكثر من 50 فيلما، بما في ذلك الأفلام الروائية والوثائقية، التي شغلت جزءا كبيرا من حياتي كسينمائي: والجزء الآخر كان ممثلا في أبنائي الستة وابنتي آنا”.
وأضاف مبدع “مساء الأحد” (1957) بعد أن وجه كلمات امتنان لرفيقة دربه، الممثلة الإسبانية، يولاليا رامون “لقد كنت محظوظا في الحياة، لأنني أفعل ما استهواني وآمل أن أستمر في ذلك.. وأشكر الحياة التي منحتني الشيء الكثير”.
وارتبط كارلوس بثلاث زيجات سابقات، أولها زواجه من الصحافية ومخرجة الأفلام الوثائقية، أديلا ميدرانو، ثم الممثلة الأمريكية، جيرالدين شابلن، ابنة الأسطورة شارلي شابلن.. التي انتهت علاقتهما بعد اكتشافها علاقته السرية مع خادمة منزله ميرسيديس بيريث، حيث سيرتبط بها رسميا، رغم أنها لم تدم طويلا..
ومن خلال فيلموغرافيا التي تعد جزءا من التراث الثقافي الإسباني، أعلن كارلوس ساورا، منذ بداية مشواره الفني، عن عشقه للفلامنكو ممهدا الطريق للأفلام الوثائقية الموسيقية.. ولم يخف ساورا تأثره بمخرجين كبار، بل نحت مكانة إلى جانبهم، مع كل من المخرج الإسباني لويس بونويل والسويدي إنغمار برغمان والإيطالي فيديريكو فليني “لأن الثلاثة يعملون بالخيال”.
لم يؤمن ساورا بالأصناف، فحسب رأيه، صوّر ثلاثة أنواع من الأفلام: النوع الأول يتعلق بسينما واقعية وملموسة مثل “الصعاليك”، “الصيد”.. وأخرى أكثر إبداعا مثل “لابريما أنخيليكا”، ثم صور أفلاما خصت الموسيقى بشكل كبير كـ”فلامينغو”، لكن ساورا يصر على إضافة نوع رابع إلى تلك القائمة، قائلا: لقد اهتممت بالعديد من الفنانين الذين أثروا في حياتي، مثل غويا، كتاب الأدب الإسباني، والذين يمثلون نوعا من التجارب الشخصية.
لم يبدع ساورا في السينما فقط، بل انصبت إبداعاته على مجالات فنية أخرى كالأوبرا، حيث عمل مع أسماء كبار مثل دانيال بارينبويم وزوبين ميهتا.. وقدم موسيقى الفلامنغو من خلال روادها باكو دي لوسيا وكامارون، ولم يفته اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي، الذي شغل محور اهتماماته، مبرزا تجربة أحد كبار مبدعيه، فيتوريو ستورارو. ترجم فيلم “الجدران تتكلم”، آخر أفلام كارلوس ساورا ولعه بتاريخ الفن التشكيلي، وعالم الصورة الذي ظل مشدودا إلى اكتشاف خباياها.. فإخراجه لهذا الفيلم في سن التسعين دليل على نشاطه الدؤوب وحبه لمهنته حتى اللحظة الأخيرة.