أخبار عالمية

ميريل ستريب.. أيقونة تتجاوز الأوسكارات لتجسّد جوهر الإنسانية في الفن

متابعة بتجــرد: يُذكر اسم ميريل ستريب غالباً مقترناً بالأوسكارات والجوائز العالمية، غير أن قيمتها الحقيقية تتجاوز حدود التكريمات، لتجسّد مسيرةً فنية وإنسانية نادرة في تاريخ السينما. فهي ليست مجرد ممثلة بارعة، بل رمزٌ للموهبة الممزوجة بالصدق، والعطاء المقرون بالإنسانية.

بدايات خجولة ومواهب مبكرة

وُلدت ميريل ستريب عام 1949 في ولاية نيوجيرسي الأميركية، لطفلة خجولة اعتادت مراقبة العالم بفضولٍ ذكي. أظهرت منذ صغرها ميولاً فنية واضحة، وتبلورت موهبتها لاحقاً خلال دراستها الدراما في جامعة ييل، حيث امتلكت قدرة نادرة على تحويل الصدق العاطفي إلى أداءٍ ينبض بالحياة. لم تكن التمثيلية عندها مجرد تقمّص لشخصية، بل تجربة إنسانية كاملة تنقل مشاعر الآخرين بواقعية مدهشة.

الحبّ والفقد اللذان شكّلا عمقها الإنساني

في عشرينياتها، عاشت ميريل تجربة حبٍ عميقة مع الممثل جون كازال، الذي وصفته بأنه “حبّ العمر”. جمعت بينهما علاقة استثنائية سرعان ما انتهت بفقدانه عام 1978 إثر إصابته بالسرطان، تاركاً وراءه جرحاً غيّر مسار حياتها وأضفى على أدائها بعداً إنسانياً نادراً. بعد تلك التجربة، صار الألم والصدق عنصرين دائمين في معظم أدوارها السينمائية.

الجانب الإنساني ومبادرات الخير

بعيداً عن الأضواء، تمتلك ميريل ستريب قلباً نابضاً بالعطاء. بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، بادرت بالتبرع بمبلغ 25 ألف دولار لمنظمة “كفى” لدعم النساء المتضررات في لبنان، في خطوةٍ عكست اقتناعها بأن العمل الإنساني هو الفعل الأكثر صدقاً وتأثيراً في الحياة.

شغف الحياة والتفاصيل الصغيرة

بعيداً عن الكاميرات، تمضي ستريب وقتها في ممارسة هوايتها المفضلة: الحياكة. فهي تصنع بيديها قطعاً تهديها لزملائها في مواقع التصوير. كما تهوى جمع الآلات الكاتبة القديمة، في تعبير عن احترامها للكلمة المكتوبة وولعها بالحرفية والرمزية في الأشياء.

من الأوبرا إلى السينما

قبل انطلاقها نحو هوليوود، درست ميريل الغناء الأوبرالي لكنها تخلّت عنه بعدما شعرت أن الصدق في التمثيل يعبّر عنها أكثر من الغناء. وعندما أدّت دورها في فيلم Music of the Heart، تدربت على العزف على الكمان لساعاتٍ طويلة يومياً لتجسيد الشخصية بدقة، في مثالٍ على التزامها الفني النادر.

أدوار صنعت التاريخ

على مدى أكثر من خمسة عقود، قدّمت ميريل ستريب مجموعة من الأعمال التي أصبحت علامات خالدة في تاريخ السينما، منها:

  • Kramer vs. Kramer (1979): الدور الذي منحها أول جائزة أوسكار، حيث قدّمت شخصية الأمّ الممزّقة بين الفقد والحب بصدقٍ إنساني عميق.
  • Sophie’s Choice (1982): أداءٌ مؤلم يجسّد معاناة المرأة بين الحبّ والخطيئة، جعله النقاد من أعظم الأدوار في تاريخ السينما.
  • The Devil Wears Prada (2006): دورها الأيقوني كـ”ميرندا بريستلي” جعلها رمزاً للقوة والسيطرة، وكان لقاؤها بالصحافية آنا وينتور في عرض Dolce & Gabbana مشهداً نادراً يجمع بين الواقع والخيال.
  • Mamma Mia! (2008): أظهرت فيه وجهها المرح والموسيقي، مبتعدة عن الأدوار الثقيلة، لتبرهن قدرتها على التنوّع والتجدّد.
  • The Iron Lady (2011): تحوّلها الكامل إلى شخصية مارغريت تاتشر منحها أوسكاراً آخر، مؤكداً عبقريتها في التقمّص والتجسيد التاريخي.

بين الشهرة والبساطة

رغم شهرتها العالمية، بقيت ميريل متصالحة مع ذاتها. اعترفت بأنها في بداياتها كانت تهتم بالمظهر أكثر من الجوهر، قبل أن تنضج نظرتها للفن وتُدرك أن الصدق الإنساني هو ما يمنح الأداء خلوده. كما تحدّت الصورة النمطية للممثلات في هوليوود اللواتي يفقدن بريقهن مع التقدّم في العمر، لتُثبت أن الموهبة لا تعرف سنّاً.

أمّ وأيقونة في آنٍ واحد

لدى ميريل ستريب أربعة أبناء، اختار كلٌّ منهم طريقاً فنياً خاصاً بين التمثيل والموسيقى والأزياء. تعتبر الأمومة أعظم دروس حياتها، إذ منحتها فهماً أعمق للعطاء والحب غير المشروط، وهي القاعدة التي بنت عليها رؤيتها للحياة والفن.

خلاصة

إنها ميريل ستريب، أيقونة السينما العالمية التي تجاوزت الأوسكارات لتصبح رمزاً للصدق الإنساني والفني معاً. في كلّ دور تؤدّيه، تزرع جزءاً من روحها، لتبقى نموذجاً للفنان الذي يمزج بين الموهبة والوعي، بين المجد والبساطة، وبين الفنّ والإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى