فهد زاهد.. حين تصنع التجربة رؤية ويولد النجاح من الاختبار

متابعة بتجــرد: ليس كل رجل أعمال يصل إلى موقعه لأنه خطّط لذلك منذ البداية. بعضهم يصل لأنه خاض الحياة كما هي، بتناقضاتها، بقسوتها، وباختباراتها المبكرة. فهد زاهد، رئيس مجلس إدارة لايف ستايلز ستوديوز، واحد من هؤلاء الذين لم يسعوا إلى الصورة، بل صاغتهم التجربة حتى أصبحوا ما هم عليه اليوم.
يقولها بوضوح: لم أخطط لأن أكون من أنا عليه الآن. وربما هنا تكمن المفارقة الأولى في مسيرته. فهو الابن الثالث بين ستة أشقاء، في موقع لا يضيف امتيازاً ولا يفرض نقصاً، لكنه يفرض وعياً مبكراً بمفهوم التوازن. موقع “الوسط” الذي علّمه منذ الطفولة أن لا شيء يُمنح مجاناً، وأن التميّز ليس صفة، بل شرط.
نشأ فهد زاهد في بيئة صارمة. من جهة أم زرعت فيه انضباطاً مستمداً من إرث عثماني واضح، حيث النظام ليس خياراً، بل أسلوب حياة. ومن جهة أبٍ طالب بالكمال، وفرض اختبارات متكررة للثقة، وكأن الرسالة كانت دائماً: لا أحد يثق بك قبل أن تثبت أنك أهل لذلك. هذا المزيج المبكر بين الصرامة والشك خلق شخصية لا تعرف التهاون، ولا تبحث عن الطمأنينة السهلة.
في سن الثامنة، كان يمشّط شعره إلى الخلف بثقة طفل أكبر من عمره. وفي سن العاشرة، قاد سيارة، ليس كترف، بل كتدريب مبكر على تحمّل المسؤولية. وعند الثانية عشرة، أُرسل إلى مدارس بريطانية شبه عسكرية، حيث جمع بين عالمين متناقضين ظاهرياً: لعب الرجبي بكل ما فيه من خشونة وانضباط، والغناء في جوقة الكنيسة بكل ما فيه من روحانية وتناغم. هناك، بدأ التوازن يتشكّل: قوة الجسد مقابل حساسية الإحساس.
لم يكن الخوف جزءاً من قاموسه. قفز بالمظلة، وجرّب الطيران الشراعي، كأن التحدي كان دائماً وسيلته لاختبار الذات. أنهى دراسته الجامعية قبل أن يبلغ الحادية والعشرين، في وقت كان كثيرون ما زالوا يبحثون عن اتجاههم. موسيقياً، تعلّم الكمان، لكنه وجد ذاته في الساكسوفون، آلة تحمل صوتاً عميقاً، حراً، وقادراً على التعبير، تماماً كشخصيته. وفي أوقات فراغه، يمارس لعبة البردج التي تعلّمها منذ الصغر ويجيدها بمهارة، كامتدادٍ لشغفه بالتركيز والحساب والقراءة الهادئة للعقول.
في عالم الأعمال، لم يُمنح الأدوار الهامشية. أُسندت إليه مهمة إدارة الشركة الأساسية، وهناك بدأ الجانب الأكثر حدّة في شخصيته يظهر. طوّر مفهوم “الحلول الشاملة”، وأدار المنافسة بعقل بارد، دون عواطف أو تردد، حتى انتهى الأمر بإفلاس المنافس الرئيسي. لا ندم، ولا مشاعر زائدة. بالنسبة له، العمل ساحة قرارات، لا مساحة عواطف.
دخوله عالم الترفيه لم يكن صدفة ولا مغامرة عابرة، بل خياراً نابعاً من شغف حقيقي. انتقل من جيل “البيتلز” إلى الجيل الذهبي للأغنية العربية، حاملاً معه فهماً مزدوجاً: كيف يُدار الإبداع كعمل، وكيف يُحمى الفن من أن يتحوّل إلى منتج بلا روح. هذا التوازن بين العقل التجاري والذائقة الفنية شكّل الأساس الذي قامت عليه لايف ستايلز ستوديوز لاحقاً.
اليوم، فهد زاهد لا يقدّم نفسه كرجل نجاح نمطي، ولا كحكاية مثالية. هو نتاج كل ما مرّ به: الانضباط، التحدي، الموسيقى، المخاطرة، والتجربة. هو مجموع أجزائه، كما يقول، مهما كانت قيمة ذلك في نظر الآخرين. وربما هنا تكمن قوته الحقيقية: في اعترافه بأن ما صنعه ليس خطة مسبقة، بل حياة عاشت بكامل حدّتها، ثم تحوّلت إلى رؤية.



