أخبار عاجلة
“شقو”.. اقتباس “غير أدبي” مفعم بالتوابل

“شقو”.. اقتباس “غير أدبي” مفعم بالتوابل

متابعة بتجــرد: تذكر الأخبار التي سبقت عرض فيلم “شِقو” أنه مأخوذ عن نص أدبي، وهذا النص هو رواية بعنوان “أمير اللصوص” للكاتب تشاك هوجان، ولا يذكر صناع “شقو” فيلم The Town، الذي أخرجه وشارك في بطولته بن أفليك، وصدر في 2010، والذي تنص عناوينه صراحة على أنه مقتبس عن رواية “أمير اللصوص”.

ليس من المفهوم أسباب إشارة صناع “شقو” للرواية، مع تجاهلهم للفيلم المأخوذ عنها، خاصة أن الرواية لم تترجم للعربية، ومن المشكوك فيه أنهم قرأوها بالإنجليزية، ولكن طالما أنهم أشاروا إلى الرواية، فلعل السؤال الأنسب هو هل حصلوا بالفعل على حقوق تحويلها لفيلم مصري؟

خليط من القشور

على أية حال لا يشبه “شِقو” أيا من الرواية أو الفيلم الأميركي المأخوذ عنها، بل هو خليط عجيب لا قوام له من الأصل وأفلام أخرى، ينم، إذا كان له أن ينم على شيء، فعن عقول لا تفقه من فن الدراما سوى القشور، ومن فن السينما سوى تنفيذ بعض المشاهد بتقنية عالية مبهرة لعيون المشاهدين البسطاء.

يروي “شقو” قصة اثنين من محترفي الإجرام تربطهما صداقة حميمة، أحدهما، إسماعيل (عمرو يوسف) طيب، ذكي، لا يميل إلى العنف، إلا إذا كان مضطراً، بينما الثاني، حجازي (محمد ممدوح) عنيف وغبي ومدمن للخمر والمخدرات، وكل منهما ينادي الآخر بلقب “شقو”، وهو اسم تدليل لكلمة “شقيقي”، تعبيراً عن عمق العلاقة بينهما.

حجازي له محبوبة يعشقها منذ الطفولة، هي الراقصة فتنة (أمينة خليل)، بينما لإسماعيل عشيقات متعددات، غير أنه يقع أيضا في حب ممرضة تصادف وجودها في بيت قاموا بسرقته، وهي فاطمة (دينا الشربيني).

غياب البعد الاجتماعي

قصة حب إسماعيل للممرضة هي الخط الوحيد تقريباً الذي اقتبسه صناع “شقو” من الرواية، وهي بالفعل الخط المميز لها، والذي أهلها للحصول على جائزة “هاميت” المخصصة لأدب الجريمة والعصابات، بجانب عناصر أخرى على رأسها البعد الاجتماعي للرواية، التي تدور في مدينة حقيقية هي “تشارلزتاون” من ولاية بوسطون، معروفة بأنها تشهد أكثر عدد من عمليات السطو على البنوك والمؤسسات المالية، وبها أكبر عدد من هؤلاء اللصوص في العالم!

ومن خلال قصة الحب التي تجمع بطل الرواية بمديرة بنك يقوم بسرقته، ينسج المؤلف عملاً يدين العنف والجريمة، ويعلي من شأن الحب الذي يطهر البطل، غير أنه يلقى مصرعه بين يدي حبيبته جزاء الجريمة في النهاية.

لا شيء من هذه المعاني موجود في فيلم “شِقو”، لا البعد الاجتماعي، حيث تبدو الأحداث والشخصيات وكأنها تسبح في فضاء هلامي منزوع الهوية، ولا النهاية التطهرية، أما مديرة البنك، فقد تحولت إلى ممرضة وأم وحيدة، يشفق عليها إسماعيل بعد أن يقوم حجازي بضربها بسبيكة ذهبية تكاد تودي بحياتها، بينما في الرواية هناك مقدمات ومبررات مفهومة لقصة الحب، منها جمال وحساسية الفتاة، وذكاءها في إخفاء بعض الأقراص الصلبة المهمة بعيداً عن اللصوص، ثم قيامهم باحتجازها رهينة لبعض الوقت بين يدي البطل، واكتشافهم أنها جارتهم وابنه الحي الذي يسكنونه، ومن ثم تشجع البطل على مراقبتها للتأكد من أنها لن تشي بهم للشرطة، والبطل نفسه شخص رقيق لديه ذكريات عائلية تجعله عاطفياً، وليس لديه حبيبة، وهكذا يبدأ الحب بين الاثنين بطريقة منطقية وقابلة للتصديق والتعاطف.

حب غير مقنع

على النقيض تبدو قصة الحب التي تربط إسماعيل، فجأة، بالممرضة بسيطة الظاهر والباطن غير طبيعية على الإطلاق، خاصة أنها تتسبب على الفور في اكتشاف البوليس لشخصية إسماعيل وتعقبه، وفوق ذلك يفتقد الثنائي عمرو يوسف ودينا الشربيني لأي نوع من الكيمياء السينمائية بينهما.

في المقابل تبدو علاقة حجازي بفتنة أكثر جاذبية وإثارة للتعاطف، فهناك كيمياء بين أمينة خليل ومحمد ممدوح تبدت في أعمال سينمائية وتليفزيونية عديدة، كما أن من الطبيعي لشخص مثله أن يقع في عشق راقصة.

في الرواية أفراد العصابة أربعة وليسوا اثنين، وكلهم يلقون مصرعهم تحقيقا لـ”العدالة الشعرية” الدرامية، أما فيلم The Town فيحمل نهايتين، واحدة مثل الرواية، والثانية ينجو فيها البطل العاشق، لكنه لا يحصل على محبوبته.

في “شِقو” لا أحد يموت من الأبطال، بل ينجون جميعا بفعلتهم، ويسافر البطلان بالأموال خارج البلاد، والتبرير أنهم يسرقون أناسا يستحقون السرقة، وليس بنوكاً أو مؤسسات عامة، وهي نهاية ربما تسعد الجمهور وفقاً لمفهوم “السبكية” (المنتج أحمد السبكي، والمخرج كريم السبكي)، ولكنها تخلو من أبسط مبادئ الأخلاق الدرامية.

يعاني “شِقو” من تصدعات أخرى كثيرة ناتجة عن الاقتباس الفضفاض، وعدم القدرة على فهم المعنى الحقيقي للرواية، منها مثلاً أن الرجل العجوز الذين يتسببون بموته خلال سطوهم على منزله يتبين أن لديه ابن هو الذي سهل لهم عملية السرقة لسبب ما، علماً بأن الفيلم يؤكد على أن الرجل مريض للغاية، وعلى وشك الموت في أية لحظة، ما يعني أن الابن لا يحتاج إلى كل هذا التخطيط الجهنمي لكي يتخلص من أبيه. 

وبدلاً من “الرجل الكبير” الذي يدير العصابات الصغيرة في الرواية، يستبدله “شقو” بسيدة غامضة اسمها درية، تلعب دورها يسرا، وهي شخصية مرسومة على شاكلة المرأة الغامضة القاسية في فيلم “ضربة شمس” لمحمد خان (1980)، يتبين لاحقاً أنها تابعة لرجل أكبر لا نراه، وهو خط مرتبط بالبعد الاجتماعي في الرواية، حيث وراء انتشار الجريمة “مافيا” منظمة.

لا يخلو “شِقو” من عناصر النجاح الشعبي المعروفة: أكشن منفذ بحرفية عالية (من تصميم الجنوب إفريقي أندرو ماكينزي)، نجوم محبوبين بأداء استعراضي جذاب، خاصة محمد ممدوح في دور “البلطجي” وأمينة خليل في دور الراقصة الشعبية، ويسرا شريرة ربما لأول مرة، وضيوف شرف مثل أحمد فهمي ومحمد جمعة، رقصة وأغنية شعبية لمحمود الليثي، وكثير من “الإيفيهات” الكوميدية اللفظية.

إلى الأعلى