أخبار عاجلة
كاظم الساهر.. أسطورة جمالية تخطت الأزمنة والأمكنة

كاظم الساهر.. أسطورة جمالية تخطت الأزمنة والأمكنة

متابعة بتجــرد: الأغنيات والمطربون كُثر في عالمنا!! ولكن هناك ظواهر فنية تسترعي توقفنا عندها كحالات جمالية وإنسانية نحتاجها في زمن قلَّ فيه الجمال الرفيع وقلَّ فيه النغم الأصيل والكلام المليء بالحب والحنين والشوق الحقيقي وليس حب وفن اللذين أشبه بمأكولات سريعة تنتهي متعتها مع آخر لقمة نبتلعها!!

لذلك نحن نبحث عن الجمال الخالد الذي يأسرنا بشكل مذهل ويجعلنا نطرق كثيرا بأرواحنا قبل حواسنا، لأن الجمال ذو القيمة الرفيعة هو الذي يوقظ فطرتنا الأولى يعود بنا إلى زمن الطفولة الأولى وحب الصبا الفطري الأول كما في قصيدة وأغنية “البيانو” التي يصبها ويسكبها كاظم الساهر في أسماعنا وأرواحنا بحرفية نحات وعازف بيانو يتلاعب بأمواج النغم ويرسلهُ في أقصى متاهات الروح.

في هذه الأغنية كاظم يرمم كل الخراب الممتد كامتداد آهات الحروب ويصلح ويرمم بعض أشلاء أرواحنا ويعيد لنا بعض أعمارنا المبتورة قصرا بسبب تراكم الأحزان!! فهو يرشقنا بأمواج نغمية عذبة تطربنا وتأخذنا إلى أقصى مديات الجمال الرزين غير المصطنع.

وأعتقد لو يتم تصوير هذه الأغنية، فهي تحتاج إلى أعظم راقصي بالية، كي تقدم بشكل مذهل.

وأعتقد أغنية “البيانو”هي أعظم ما قدم خلال آخر خمس سنوات لحنا وكلاما وتوزيعا موسيقيا، فالقيصر أبدع ونحت منها وطنا لنا..

في ألبوم “مع الحب” يقدم الفنان كاظم الساهر ثلاث عشرة أيقونة جمالية هي خلاصة تجارب فنية من إبداع لحني وتوزيع وأداء وعزف، لذلك نرى في أغاني “معك، ويا وفية وأغنية البيانو ولا تسألي والباقي” ترتقي العناصر الثلاثة الغناء واللحن والتوزيع الموسيقي إلى أرقى حالات الانسجام والتناغم الجمالي.

أما في أغنية “يا وفية”، فهي لوحة فنية أو ملحمة غنائية استلت من خزائن حبنا الأول. حب النظرة الأول الصادق، الحب الذي ينمو وينتعش ولكن سوء الأقدار وكثرة الحروب والويلات تقطع به سبل الاستمرار بين الأحباء الذين لا يملكون سوى هذه الجواهر التي تشتعل بين أفئدة الصدور وجوانح الأرواح. لذلك تُعد هذه الأغنية أن تكون رسالة اعتذار لمن أحببنا بصدق وشدة، هل سمعتم حين صرخ كاظم في جملة “ولكن من قال لا يبكي رجال!!” هي تعبر عن مشاعر آلاف الرجال الذين بترت سوء الأقدار والظروف أجمل قصص حبهم، كما بترت من قبل الحروب أجمل ذكرياتهم وبعض من أعضاء أجسادهم.

في هذه الأيقونة “يا وفية” قدم كاظم أعذب وأجمل ما يملك من مهارة غنائية ولحنية وعصارة عذوبة صوته المدوي منذ سنوات في أروقة الموسيقى العربية دون منافس لهُ.

أحيانا يتردد السؤال التالي هل خلق الغناء من أجل الحب وحده أم هناك جوانب كثيرة يجب أن يطرقها الفن كما يحدث في الرسم والموسيقى والشعر والرواية؟ أي هل يجب أن يتناغم الغناء مع مواجع الإنسان وقلقهُ ومكابداته الإنسانية والوجدانية؟ في هذا الألبوم أستطاع القيصر أن يجيب عن هذا السؤال، وهو أن الغناء يجب أن يتجاوب مع كل حالات الإنسان الفرحية والحزنية والثورية واضطراباته التي يمر بها في كل انعطافات الحياة.

ففي “أغنية الليل” يقدم كاظم موضوع الوحدة والعزلة بأجمل ما يكون حين يحاصرنا الحنين بشوق إلى ما نفتقد من أحباب وأماكن ومدن. لا أريد أن أتوقف عند كل أغنية وأيقونة من هذا الألبوم ولكن كانت تستوقفني عبارات شعرية وجمل موسيقية تمر بالقلب كما يمر بنا صباحا نسيم عذب من عمق البحر أو صادر من جرف النهر ومرابعهُ الخضراء لتوقظ فينا تلك البراعم الجميلة الراقدة منذ سنين دون حراك.

القيصر قدم في هذا الألبوم أجمل ثلاث عشرة أيقونة مرسومة بأحرف عربية معتقة بالحنين والشوق إلى كل ما نعشق من وجوه ومدن وبلدان، إنهيكتب سيرنا الذاتية وينحتها بسمفونية متفردة قلَّ نظيرها في زمن السرعة المجنون.

وأقول بعد ما أصابنا من انكسار بسبب الوباء والحروب كنا بحاجة إلى ترميم روحي وجسدي لن ينجح به سوى موسيقار بمستوى القيصر كاظم الساهر “أسمعوا يا قلب، والبيانو، ويا وفية، وباقي الأغاني” ستجدون كيف يرمم القيصر أشلاء أرواحنا وجروحنا التي لا تشفى أبدا.. شكرا للقيصر على هذا الجمال.

ناقد فني.

إلى الأعلى