أخبار عاجلة
دراما مجازِفة عن تحدي النساء لقيود المجتمع في “الجميلة والكلاب”

دراما مجازِفة عن تحدي النساء لقيود المجتمع في “الجميلة والكلاب”

الرباط – بتجــرد: في فيلم “الجميلة والكلاب” الذي أخرجته المبدعة التونسية كوثر بن هنية، نجد أنفسنا أمام أداء استثنائي لمريم الفرجاني، وتجسّد الاخيرة دور امرأة شجاعة تخوض محنة صعبة حيث اضطرت إلى التوجه إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن تعرضها لجريمة اغتصاب مروعة على يد عناصر الشرطة نفسهم.

باختيار كوثر بن هنية هذا الموضوع الجريء والمثير تحوّلت هذه المخرجة التونسية الموهوبة من الوثائقي إلى الروائي ببراعة وجرأة فائقة، إنها قصة حقيقية تثير الجدل وتجعلنا نتساءل عن حدود الصمت والكشف عن الجريمة في مجتمع يسيطر عليه القوى الرسمية يُظهر الفيلم تميزًا سينمائيًا واضحا، حيث يروي القصة بتسعة فصول مثيره، وفي كل فصل نجد مشهدًا واحدًا مصورًا بلقطة واحدة، مما يضيف توترًا وتأثيرًا إضافيًا على الأحداث ويجعلنا نعيشها بكل تفاصيلها.

والفيلم خطوة جريئة وطموحة في السينما، حيث يتميز بأجواء معقده، وتتنوع الجمل الطويلة والتمثيل المتنوع أحيانًا، إلا أنه ينجح إلى حد بعيد في تقديم رحلة عاطفية تتشابك مع رسالة سوسيوسياسية، وفي الواقع كما فعلت المخرجة كوثر بن هنية في فيلمها الوثائقي السابق “سكين تونس”، الذي استعرض قصة قاتل متسلسل يستهدف النساء في تونس العاصمة، يستكشف هذا العمل السينمائي حرمان النساء من حريتهن في مجتمع صارم تهيمن عليه الطبقة الذكورية، حتى عندما يتعرضن لاعتداءات واضحة من قبل هؤلاء الرجال.

        عندما تمزج أنغام الموسيقى العاطفية مع أضواء النادي المتلألئة في ليلة جامعية رائعة تظهر مريم الفرجاني الطالبة العزباء التي ساهمت في تنظيم الحفل، تجلس مع صديقاتها وتشاركهم الضحكات والمحادثات الحميمة، وتسمح لأنغام الموسيقى بأن تأخذها في رحلة فنية من الرقص الجماعي الخالص، وفي لحظة ساحرة تصطدم بنظرات يوسف (بأداء غانم الزرلي)، الشاب الوسيم الذي تربطه بها ذكريات وعواطف ماضية، يتبادلان الأحاديث والابتسامات، وتبدأ كيمياء الحب بالتفاعل بينهما.

فجأة، تقترب كاميرا المخرجة كوثر بن هنية من مريم بشكل ملتفة ومميز، تظل معها لتسجيل كل التفاصيل العاطفية والعميقة لهذه اللحظة، والموسيقى العاطفية والمؤثرة التي قام بتأليفها أمين بوهافا تعزز من أهمية هذه اللحظة وتنقل العواطف بشكل رائع.

لكن، تأخذ الأحداث منعطفًا غير متوقع عندما تنتقل الشاشة إلى اللون الأسود، مشيرة إلى نهاية الفصل الأول، تبدأ الفصول الجديدة مع مشهد مدهش، حيث تظهر مريم تاركة النادي وجسدها يحمل آثار الدموع والخوف العميق، يصبح واضحًا تدريجيًا أن مريم عانت تجربة مرعبة، اعتداء جنسي على يد ضباط الشرطة، وأنها بحاجة ماسة إلى دعم ومساعدة.

تمتزج المشاعر والتوتر في هذا المشهد القوي، حيث تعيش مريم في مأساتها الخاصة والمشاهدين يشعرون بالتوتر والاستياء معها، تأخذ القصة منعطفًا غير متوقعا ومؤثرًا عندما تكتشف مريم أنها بحاجة إلى شهادة طبية لتثبت تعرضها للاعتداء الجنسي، مما يأجج الصراع والتحديات التي تواجهها.

 تبدأ الفصول اللاحقة في قصتنا برحيل مريم عن غرفة المستشفى العامة، حاملةً معها جراحات الجسد والروح، تُستحضر تفاصيل عذابها بألوان مشددة وتشويق يُشعرك وكأنك جزء من اللحظة الحقيقية، وفي طريقها يسعى يوسف الرجل الشهم لمساعدتها على مواجهة الضباط الفاسدين الذين يحاولون حماية أنفسهم وزملائهم، وطاقم المستشفى الذي إما يجهل كيفية التعامل مع الوضع أو يتجاهله عن عمد، عندما يظهر الشك بأن شرطيين ارتكبا الجريمة.

وتتعقَّد الأمور أكثر بسبب موقف مريم الصعب، حيث تجد نفسها محرومة من العودة إلى سكنها بعد الساعة العاشرة مساءً، مما يضطرها إلى البقاء مع يوسف، وهذا أمر غير مقبول تمامًا في المجتمع التونسي لامرأة غير متزوجة.

ما يبدو واضحًا هنا هو ليس فقط مأساة مريم بل أيضًا التلميح إلى البيروقراطية ومجتمع حيث تسيطر وجهة نظر الذكور في المناصب السلطوية، مثل الأطباء وضباط الشرطة، ويفضل ان تلتزم الإناث الصمت.

يُظهر الفيلم أيضًا شخصيات نسائية تحاول دعم مريم في المستشفى والشرطة، مما يُسلط الضوء على الفروق الجنسية الدقيقة حتى في المناصب المهنية المشابهة، وبشكل غير متوقع، يأتي الدعم الرجولي الحقيقي من يوسف، الذي يصرخ بصوت عال: “هذا البلد هو سجن!” في أثناء سحب مريم إلى مركز الشرطة، لكن تعقيدات جديدة تنشأ عندما يكتشف يوسف أن مريم كانت ترتدي فستانًا غير لائق للحفل، فضلا عن انه تم العثور عليهما معًا بالقرب من المكان، تبدو هذه الصورة كحلقة جديدة من التشويق، حيث يتعين على الجمهور معرفة ما حدث بالضبط وكيف ستتطور الأحداث، وتضع هذه التعقيدات الجديدة الجمهور أمام تحد تعاطفي جديد مع مريم، التي تقدمها الممثلة ببراعة وجاذبية تجعل الجمهور يندمج مع تجربتها المروعة.      

أفلام كوثر بن هنية تشتهر بأسلوب إخراجها الفريد والمميز، الذي يتميز بعدة عناصر ملحوظة. كما تميل إلى اختيار قصص ذات مضمون اجتماعي وثقافي، حيث تسلط الضوء على قضايا هامة في تونس والعالم العربي.

 تتعامل مع هذه القضايا بشكل يجعل أفلامها تحمل رسائل عميقة ومعبرة، وتنوعها في الأسلوب السينمائي. حيث تمزج بين مختلف الأساليب بشكل متقن، مما يجعل كل فيلم لها يبدو مميزًا وفريدًا. كما تستخدم تصويرًا مبدعًا واستخدامًا فنيًا لنقل رسائلها بشكل فعّال وجذاب. تميل إلى أن تكون واقعية، حيث تدور في محيطات طبيعية واقعية تسهم في تعزيز التفاعل مع الشخصيات والقصص التي تقدمها. ويمكن ملاحظة حساسيتها للتفاصيل الصغيرة التي تؤدي دورًا مهمًا في بناء الشخصيات وتطوير القصة بشكل أعمق.

تُعطي كوثر بن هنية أهمية كبيرة لأداء الممثلين حيث تسمح لهم بالتفاعل بحرية مع الأدوار وتقديم أداء طبيعي ومقنع مما يجعل الشخصيات تبدو حقيقية ومؤثرة، وتستخدم الموسيقى والتصوير الصوتي بشكل فعّال لتعزيز الأجواء وزيادة التأثير العاطفي للقصة.

إلى الأعلى