أخبار عاجلة
مسلسل “دكة العبيد”.. هل ينقذ الحب العالم؟

مسلسل “دكة العبيد”.. هل ينقذ الحب العالم؟

القاهرة – عصام زكريا: من ناحية الطموح، فهذا هو أكثر الأعمال الدرامية العربية طموحاً إلى الآن، تراهن به محطة mbc على صُنع مسلسل “عالمي” في مضمونه وشكله وفريق العمل والممثلين متعددي الجنسيات واللغات.

مسلسل “دكة العبيد” أو (سوق العبيد) يتناول فصلاً من تاريخ تجارة الرقيق التي عرفتها البشرية منذ فجر تاريخها، وظلت أمراً قانونياً ومقبولاً في كل مكان حتى عام 1833، عندما قامت بريطانيا -أقوى دول العالم، وأكبر إمبراطورية استعمارية في ذلك الوقت- بإلغاء العبودية على أراضيها، ثم في مستعمراتها، ما أشعل الحرب بين مؤيدي ورافضي العبودية، التي تتقنع وتتخذ أشكالاً أخرى إلى اليوم.

موضوع خطير، إن لم يكن الأخطر على الإطلاق فيما يتعلق بحياة البشر وعلاقاتهم وصراعاتهم التي لا تتوقف.

كاتبة المسلسل، هبة مشاري حمادة، واحدة من ألمع كاتبات الدراما في العالم العربي اليوم، طالما دأبت على معالجة موضوعات تاريخية وواقعية بجرأة واقتحام، كما فعلت في مسلسل “من شارع الهرم إلى ..” وسلسلة “الدفعات” (“دفعة القاهرة” و”دفعة بيروت” و”دفعة لندن”) و”سرايا عابدين” وغيرها.

في “دكة العبيد”، اختارت هبة مشاري حمادة فترة تاريخية حاسمة، وهي نهاية القرن الـ19، عقب إلغاء تجارة الرقيق رسمياً، واستمراره عملياً، وهي الفترة نفسها التي اختارها ستيفن سبيلبرج في فيلمه Amistad، عام 1997، والتي اختارها ستيف ماكوين لفيلمه 12 Years a Slave، عام 2013. 

كلّ من سبيلبرج وماكوين، ركزا على العبودية في الولايات المتحدة الأميركية، لكن هبة مشاري في “دكة العبيد” تسعى إلى رسم لوحة بانورامية للعالم كله، وذلك من خلال 5 قصص، أو خطوط درامية، تدور في مناطق متفرقة لشخصيات مختلفة، تُعرض متجاورة ومتوازية داخل الحلقات.

هذه الخطوط الـ5، هي: الخط الهندي، والذي يروي قصة أميرة جميلة ابنة “مهراجا”، حيث يقوم خدمها بخطفها وتحويلها لجارية يبيعونها لثري عربي، ولكن شاباً عربياً يعمل شرطياً يقع في حبها ويحاول إنقاذها.

تقوم بدور الفتاة الممثلة وملكة الجمال السابقة الهندية أبيكشا بورول، في دور الفتاة لافاني، بينما يقوم الممثل السعودي فايز بن جريس بدور الشاب الذي يقع في حبها.

يقوم بإخراج مسلسل “دكة العبيد” التونسي الأسعد الوسلاتي، وليس واضحاً إذا ما كان قد قام بإدارة تصوير كل خطوط المسلسل بنفسه، أم أن مخرجي الوحدات والخطوط هم الذين قاموا بذلك، لكن الملحوظ أن هناك اختلافاً في أسلوب ومستوى الخطوط الـ5، وأفضلها إخراجاً وتمثيلاً هو الخط الهندي.

يدور الخط الثاني القوقازي، حول تاجر عبيد يقوم بشراء 4 فتيات قوقازيات من والدهن السكير، ويرحل بهن لبيعهن بينما تحاول الفتيات الهرب وتسعى أمهن للبحث عنهن. 

ويشارك في هذا الخط، الممثل الأيرلندي نيك كورنول في دور تاجر العبيد، واللبنانية ناتاشا شوفاني والهولندية دايان بيمانس في دور اثنتين من الفتيات المخطوفات، ويتسم هذا الخط بالمطاردات والتشويق، لكن يغلب على ممثليه المبالغة والأداء “المسرحي”.

أما الخط الثالث -العربي- فيدور حول أم تتوه في الصحراء، ويقوم قُطّاع الطريق بخطف أطفالها الـ4 لبيعهم، فتصاب بلوثة عقلية، تتخيل فيها وجود جن يحبها، بينما يقوم شابان بإنقاذها ويعودان بها إلى خيمة العائلة. وتلعب دور المرأة الممثلة السعودية العنود سعود، بينما يلعب دور الشابين كلّ من هاشم نجدي جلوي، ونواف الظفيري ماطر.

يبدو هذا الخط -بعد مرور نصف المسلسل تقريباً- الأبعد عن موضوع العمل، إذ يركز على معاناة الأم التي تفقد أبناءها أكثر مما يركز على مصير الأبناء المخطوفين (كما يفعل الخط القوقازي)، وكان يحتاج إلى وصف وتشريح لآليات الجريمة وأوضاع تجارة الرقيق في المنطقة، كما تفعل الخطوط الأخرى.

الخط  الرابع، الإنجليزي، يدور حول شاب أسود يهرب من سفينة للعبيد إلى السواحل الإنجليزية، حيث الرقيق ممنوع نظرياً وموجود عملياً، ويستضيف الشاب ثري بريطاني، تقع ابنته في حب الشاب، ما يثير غضب زوجة أبيها فتدبر مكيدة لسجنه، وتحاول الفتاة إنقاذه.

وتلعب الممثلة والمغنية الإنجليزية شانون جاسكين دور الفتاة “إيزابيلا”، بينما يلعب دور الشاب “ريحان” الممثل ريل بابتيست، ومثل الخط القوقازي يغلب على أداء الممثلين هنا المبالغة والمسرحية، كما يغلب على الحوار المباشرة والمدرسية.

آخر الخطوط وأهمها، هو الخط الإفريقي، ومن المعروف أن إفريقيا هي أكثر مناطق العالم تعرضاً لمساوئ ومعاناة تجارة الرقيق، ويرصد هذا الخط عمليات الخطف الجماعي وترحيل البشر بالعشرات لبيعهم، ويركز على قصتين لا قصة واحدة: الأولى حول شابة جميلة اسمها “ناتداندا”، تُخطتف بين من يتم اختطافهم، ويحبها شاب بالاندساس وسط العبيد ليحاول إنقاذها، بيتنا تروي القصة الثانية معاناة أب وولده الذي يعاني من شلل نفسي، ومحاولة الأب دعم ابنه لتحمل ما يلقاه على ظهر سفينة العبيد.

ويشارك في هذا الخط، الممثلة والمغنية جانيك تشارلز من ترينداد في دور ناتاندا، بينما يلعب دور حبيبها “كواكو”، الممثل كريس جوردون.

يتسم “دكة العبيد” بالطموح الكبير، وهو إنجاز مهم نحو صُنع دراما عربية عالمية، لكن هناك ملحوظتين بخصوص التمثيل والكتابة.

من الجيد بالطبع وجود هذا العدد الكبير من الممثلين من جنسيات مختلفة، ولكن فيما يتعلق باختيار الممثلات تحديداً، فهناك ميل واضح لاختيار فنانات مشهورات من مجالات أخرى، مثل عروض الأزياء أو الغناء والاستعراض أو التقديم التلفزيوني، ربما لضمان وجود أسماء معروفة نسبياً تجذب مشاهدين من جنسيات مختلفة، وتوجيه هذا العدد الكبير من لغات وثقافات ومدارس تمثيلية مختلفة كان يحتاج إلى خطة وجهد أكبر.

فيما يتعلق بالكتابة، تميل هبة مشاري حمادة عادة إلى دمج التاريخ في قصص عاطفية وإنسانية على طريقة الرائد جورجي زيدان في سلسلة رواياته عن التاريخ العربي، أو كما تفعل هوليوود عادة، وهذا المنهج في تناول التاريخ والموضوعات السياسية يقربها من المشاهدين العاديين بالتأكيد، لكن في “دكة العبيد” تتمحور معظم القصص حول “ثيمة” واحدة هي الحب غير المرغوب فيه بين المخطوفين المستعبدين و”الأحرار”: الفتاة الهندية والشاب العربي، الشاب الأسود والفتاة الإنجليزية، المرأة العربية ومنقذها، الشابة الإفريقية والشاب الذي يحاول إنقاذها، والخط الوحيد الذي لا يتبع هذا النموذج هو القوقازي.

غلبة قصص الحب على الخطوط قد يدفع المشاهد إلى التساؤل، أو الاعتقاد بأن الحب هو الحل وأنه المنقذ الوحيد للعالم من آفات الحروب والاستغلال والعنصرية، وهي نظرة رغم نبلها وجمالها إلا أنها تتسم بالسذاجة.

إلى الأعلى