أخبار عاجلة
“فضل ونعمة”.. القضية واقعية والأحداث خاطفة

“فضل ونعمة”.. القضية واقعية والأحداث خاطفة

متابعة بتجــرد: يمكنك القول إن «الفيلم باين» من أسماء فريق عمله، وليس من عنوانه فقط، فحين ترى أمامك عملاً من بطولة ماجد الكدواني وهند صبري، ومشاركة محمد ممدوح وسماء إبراهيم ومحمود حافظ وبيومي فؤاد وشريف دسوقي، وبقيادة المخرج رامي إمام، ترى في التشكيلة وصفة نجاح جاهزة تغريك لمشاهدة الفيلم المعروض في الصالات «فضل ونعمة»، وتدفعك باتجاه انتظار مفاجأة ما، لأن هذه الأسماء التي أثبتت تميزها وثقلها في كل ما قدمته في التراجيديا والدراما، سينمائياً وتلفزيونياً، تجتمع لتقدم هذه المرة كوميديا عائلية، ولا بد أن يكون في المضمون ما قد أغراهم للموافقة على العمل، وما قد يرضيك ويسعدك عند المشاهدة، فهل تَصدق توقعاتك؟

انتشرت ظاهرة استغلال مقولات شهيرة اعتدنا ترديدها في يومياتنا لتشكيل عناوين لأفلام، والمقصود منها غير ما هو ظاهر ومعروف، أي اللعب على الكلام كنوع من عملية لفت انتباه الجمهور، مثل «الدعوة عامة» الذي شاهدناه خلال الصيف، و«فضل ونعمة» حالياً، والمقصود به فضل وزوجته نعمة، وقصة حياتهما وكفاحهما من أجل كسب لقمة العيش، وإسعاد ابنتهما ليلى وابنهما علي.

الكاتب أيمن وتار الذي تعمّد تحميل شخصيتي البطلين مواصفات معنى ومضمون «فضل» و«نعمة»، تعمد أن تكون قصته «كوميديا زيادة» تماماً، مثل «السكر زيادة»، ولم يكتف بجعل الكوميديا وليدة اللحظة والموقف، بل صارت هي الفيلم بأكمله، ومجسدة بالكلام والمواقف والأداء، وحتى أسماء الشخصيات.. وذهب بالأحداث نحو اللاواقعية ليعالج قضية شديدة الواقعية، تلمس الكثير من العائلات العربية.

البداية.. تهمة

أيمن وتار الذي قدم أعمالاً سينمائية وتلفزيونية ناجحة (وبعضها متوسط)، مثل «الكويسين»، و«نادي الرجال السري»، و«البعض لا يذهب للمأذون مرتين»، و«بدل الحدوتة تلاتة».. انطلق بأحداث فيلمه العائلي الاجتماعي من لحظة القبض على قطب (محمد شاهين)، بتهمة الاتجار بالمخدرات، تتلقفه مكارم مكنسة (سماء إبراهيم) لتهدده وتسأله عن مكان «البضاعة»، ليكشف أنه خبأها في مخزن المأكولات «بهجة فودز»، والمفتاح مع الزوجين فضل ونعمة (ماجد الكدواني وهند صبري)؛ الثنائي يحلم بالفوز بجائزة نصف المليون جنيه من خلال مشاركتهما في مسابقة الطهي «أجمد شكشوكة» التي يقيمها رجل الأعمال فاروق بهجت (بيومي فؤاد).

كل تصرفات الزوجين تحكمها السذاجة، ما يعني بشكل تلقائي أن ينتقلا رغماً عنهما من فخ إلى آخر، ويقعان فريسة تاجر المخدرات فاروق، ومساعدته مكارم، وابن شقيقتها مقدم جاسر (محمود حافظ)، والذي يوهم فضل ونعمة بأنه ضابط في جهاز الأمن الوطني، ويكلفهما بمهمة سرية تقتضي الإيقاع بعصابة مكارم (لكونهما لا يعرفان أنها تعمل لدى فاروق وهو زعيم العصابة). لذلك يطلب منهما التكتم على طبيعة عملهما وتنفيذ ما تطلبه منهما، وتسليم المخدرات المخبّأة في مخزنهما لعملاء يتم تحديدهم وفق كل عملية.

يتباهى الزوجان بعملهما السري وخدمتهما لبلدهما، خصوصاً أن ابنتهما ليلى (ياسمينا العبد)، تخجل من عملهما، وتجدهما نموذجاً للفشل، وقد عجزا عن تحقيق أي إنجاز في حياتهما.

ممثلون مميزون

المخرج رامي إمام الذي ابتعد عن السينما نحو 13 عاماً، واكتفى بتقديم المسلسلات، آخرها «فالنتينو» عام 2020 للنجم الكبير عادل إمام، يختار فيلماً «لايت» في السيناريو والحوار ليعود به إلى «الفن السابع»، لكنه يختار في المقابل ممثلين مميزين ومعروفين بقدراتهم العالية، سواء في البطولة الرئيسية (هند صبري وماجد الكدواني)، أو في الأدوار الثانية، وضيوف الشرف (محمد ممدوح وسماء ابراهيم)، مع إطلالة مميزة للفنانة إسعاد يونس. الممثل القادر على التألق في الدراما والتراجيديا، يجيد الإمساك بتفاصيل الشخصية الكوميدية، كما يفعل ماجد الكدواني الرائع في الأداء السهل الممتنع، وهذه ليست تجربته الأولى في الأفلام الكوميدية، وتذكّرنا هند صبري بأدائها لشخصية نعمة بشخصية علا التي جسدتها في مسلسل «عايزة اتجوز» عام 2010 للمخرج رامي إمام نفسه. شخصية شريف دسوقي (ضيف شرف) كتاجر يبيع أدوات «الخطف والقتل»، مناسبة له ويؤديها بهدوء وغموض وخفة دم، بينما يبدو محمود حافظ متشنجاً ومبالغاً في أدائه دور جاسر.

منذ بداية الفيلم، يدخلنا المخرج في الأجواء البوليسية، إنما بشكل ساخر، مع موسيقى تصويرية مستوحاة من موسيقى أفلام «جيمس بوند»، يعتمد أسلوب الحوار الباطني بين الشخصية والكاميرا، وهنا يجعله حواراً صامتاً بالحركات والملامح بين فضل ونعمة، ونقرأه كمشاهدين مكتوباً على الشاشة، كما يحافظ رامي إمام على أسلوبه في التصوير السريع والانتقال بالمشاهد برشاقة من موقع إلى آخر، بشكل يجعل الأحداث تمر سريعة، وتقطع الطريق على أي فراغ أو ملل.

ويلعب الكاتب أيمن وتار على معاني الأسماء، الخادمة اسمها «احتمال» التي توهم أهل البيت بأنها تعمل وتطهو بينما هي في الواقع لا تفعل شيئاً سوى التواصل عبر هاتفها النقال. «المقدم عزت» (محمد رضوان) يتعامل معه فضل ونعمة باعتباره «مقدم متقاعد» وجارهم في البناية، لنكتشف لاحقاً أنه مدرب فريق كرة سلة، اسمه المقدم واسم والده عزت؛ إضافة طبعاً إلى مكارم مكنسة.. يدخل التكنولوجيا الحديثة وهوس الشباب ب«السوشيال ميديا» و«الترند» من ضمن الأحداث وتأثيرها، السلبي والإيجابي، في الناس، فهي تتسبب بفضائح من جهة، وتكشف حقائق مهمة، من جهة ثانية.

أراد وتار أن يحمل رسالة إنسانية اجتماعية للأجيال الشابة، من خلال علاقة ليلى بوالديها، وإحساسها بالعار من عملهما في الطهي، وفشلهما في تحقيق إنجازات ونجاحات مهمة تدفعها للفخر بهما، وهو ما تظهره عندما امتنعت عن إبلاغهما عن «الكاريير داي» في المدرسة، حيث يذهب أولياء الأمور ليتحدثوا عن مهنة كل منهم، وما حققه في حياته والخبرة التي اكتسبها. كذلك تحكي لشادي الشاب الذي يعجبها عن مشاعرها تجاه والديها، وبأنها لا تريد أن تتشبه بهما.

مواقف إنسانية اجتماعية مهمة، لا تأخذ حقها من الوقفة الدرامية الجادة وسط هذا الكم من الأحداث الخفيفة والمواقف الكوميدية وأغاني «الراب»، والمواقف المحرجة التي يجد فضل ونعمة نفسيهما غارقين فيها. حتى الجملة المهمة التي يرد بها فضل على ابنته «كلنا نحاول ونفشل بس مافيش فاشل بيحاول» هي خلاصة الفيلم، والهدف الرئيسي منه، مواقف إنسانية عميقة لكنها للأسف تبدو سريعة وخاطفة، لا تمنح الجمهور الوقت الكافي للتأثر بها كما يجب.

«فضل ونعمة» من الأفلام العائلية التي يمكنك مشاهدتها بارتياح، وتحتاج إليها السينما العربية في وقتنا هذا، حيث تندر الأعمال التي تتناول المشاكل العائلية والتربوية والمعاني الإنسانية العميقة.

إلى الأعلى