أخبار عاجلة
الدين والعسكر وإلهام شاهين.. هل الحكم العسكري في مصر ضد الدين؟!

الدين والعسكر وإلهام شاهين.. هل الحكم العسكري في مصر ضد الدين؟!

نقلنا لكم – بتجــرد: اختصار الطريق على أنفسهم، إجابتهم بالإيجاب، لأنهم يستهدفون الإنجاز السريع، ويكفي تفجير الخصم بأنه عدو للإسلام، فينتهي أمره وتُطوى صفحته!

نشر الإخوان روايتهم عن ما جرى لهم في سجون عبد الناصر، دون اهتمام بأنه جرى مثله للشيوعيين والوفديين، فلم يفهم من هذا التنكيل الشديد إلا العداء للإسلام، مع أنه كان صراعا على الحكم، كانت مأساتهم أنهم وقعوا مع الحاكم الفرد، فامتد تنكيله حتى برفاق السلاح من أعضاء حركة الضباط الأحرار، ولأقرب شخص له هو المشير عبد الحكيم عامر!

وكانت أزمة الجزء الثاني من مسلسل «الجماعة» لوحيد حامد، أنه قال إن عبد الناصر انتمى للإخوان، وبايعهم على المصحف والمسدس في «الحجرة المظلمة» إياها، وهي واقعة ثابتة تاريخياً، لكن الأجيال الجديدة من الطرفين استنكرت الرواية، فالطرف الناصري قاد الحرب على المسلسل، واعتبره يأتي لتشويه الزعيم، وهم يلتصقون بالطبعة الجديد من حكم العسكر، ولا يريدون التسليم بما يقربهم من الإخوان ولو بشطر كلمة!

وفشل المسلسل في تحقيق أهدافه، التي تتمثل في أنه جزء من الحملة على الإخوان، وهنا تدخل الحكم للسيطرة على صناعة الدراما، باعتبار السيسي مسؤولا عن المصريين ودينهم وكل ما يتعلق بشؤون الدنيا والآخرة، ألم تر كيف تحول مؤخراً إلى مرشد أسري، يسدد النصائح لبنات مصر، بألا يقدمن على الحمل بعد الزواج مباشرة، وأن يعطين أنفسهن سنتين أو ثلاثا للاختبار، وأنه نصح كريمته بذلك، في حين أن مثل هذه النصائح في الأسر المصرية تقع ضمن الاختصاص الأصيل للأمهات.

ولأن قدرته على التعبير محدودة، فقد انصبت نصائحه على أن الممنوع هو الإنجاب بعد شهرين أو ثلاثة، ولعله يقصد الحمل، ليذكرنا بخالد الذكر أبو علاء عندما مارس البساطة مع امرأة فقيرة في الصعيد فسألها عن أحوالها فلما أجابته بعدد أولادها سألها إن كانت متزوجة؟ فبهتت السيدة، وهو يقصد إن كان زوجها على قيد الحياة، أو أنها لا تزال على ذمته، أم أن مسؤولية الأبناء تقع على عاتقها بمفردها، لكن خانه التعبير؟

وإذ احتكر العسكر كتابة السيناريو، (على غير الحاصل في الحكم العسكري الأول، إذ كان يعطي الخبز للخبازين المهرة من أهل الثقة) فقد قضوا على فكرة الدراما لتكون موجهة، مع أن من خصائص الرسالة في الأعمال الدرامية أنها ليست مباشرة. وواحد من أهل الذكر حكى لي أن أبناء الضباط صاروا الآن يشاركون بقوة في ورش صناعة السيناريو، فكانت الرسالة المباشرة، إلى حد أن يتم تقديم زوجة زعيم الإرهاب برموز دينية بدون خجل أو وجل!

استدعاء من المخزن

فالفنانة الهام شاهين هي هذه الزوجة وقد ارتدت ملابس كالتي يرتديها الممثلون في المسلسلات الدينية في زمن كفار قريش، وأحاطت رأسها بكلمة التوحيد، وإن وضعت كيلو من المساحيق على وجهها!

فها هو السيسي يستدعي من المخزن الاحتياطي النقدي، والمخزون الاستراتيجي، لتكون هذه أول طلعة جوية لإلهام شاهين، التي كانت على مدى السنوات الماضية تتحدث باسم الفن ولا تمارسه، وقد تنبأت مبكراً بأنها لن تكون من نجوم الصف الأول، لأنها لم تكن منذ بداية الثورة محسوبة على الفريق الذي ينتمي اليه الجنرال، وهو فريق المشير طنطاوي، فقد كانت تقف بعيداً وحلمت أن تكون سيدة مصر الأولى. مثلها كمثل تهاني الجبالي، القاضية السابقة بالمحكمة الدستورية العليا، وقد تم إخراجها منها بالدستور الذي وضع في عهد الرئيس مرسي!

ورغم أنها كانت في الصفوف الأولى من معارضي الإخوان، فقد كتبت أنها لن تعود للمحكمة بالانقلاب العسكري، فما عادت رغم وقف العمل بهذا الدستور، ورغم وضع دستور آخر، ورغم أن القاضي الذي خرج معها بمقتضى الدستور الإخواني عاد من جديد لهذه المحكمة ويشغل الآن منصب رئيس المحكمة الدستورية العليا!

ولم أكن أضرب الودع، أو أعلم الغيب، فقد عُلمنا منطق العسكر، وتهاني كانت محسوبة على الفريق سامي عنان، عندما كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش، وكان هذا واضحاً في اجتماعات المجلس العسكري مع قادة الأحزاب بعد الثورة فتصدر لها الإشارة من الجالس في المواجهة فتقاطع وتسفه وترفض وتعترض، وما يسري عليها يسري على إلهام شاهين، وان كانت انحيازاتها السياسية خارج المجلس العسكري، ورغم هجومها المتواصل على الإخوان، فلم تتقاض ثمن هذا، لكنهم أخيراً منحوها دوراً في مسلسل سيعرض في رمضان، ففكرة صناعة النجوم بقوة السلاح من الصفوف الخلفية فشلت، تماماً كما فشلت فكرة صناعة جيل جديد من الإعلاميين يحمل الراية من اعلاميي عهد مبارك متعدد الولاءات!

وكان لا بد من اعتماد نظرية «الدهن في العتاقي» وفتش القوم في الدفاتر القديمة فكانت الفنانة المتقاعدة إلهام، وإذ لم تصبح سيدة مصر الأولى، ولا أمل في هذا في الأمد المنظور بوقوع الانقلاب العسكري، فلتكن سيدة التنظيم الأولى، فهي زوجة الأمير، ولأول مرة نعلم أن زوجات الأمراء يمكن أن يكونوا من القواعد من النساء، أي الذين يتزوجون الفتيات القاصرات؟ ولأول مرة تكون زوجة الأمير سافرة الوجه، ومبلغ علمي أن زوجات المتشددين منتقبات!

مشكلة القوم مع المرشد، وليست مع الأمير، ومع الإخوان وليس مع داعش، لكنه الحول. وداعش التي يتحدث عنها المسلسل ليست مشكلة في مصر ليتم إنفاق ملايين الجنيهات على مسلسل تلفزيوني لتشويهها، ولأن الدواعش خصوم الاخوان أيضاً فانهم سيستفيدون من هذه الدعاية، إذا تعامل معها المشاهد بجدية، وبعد الثورة وعندما ظهر السلفيون بهيئاتهم في الصورة، أمسك أهل الحضر في البديل الإخواني!

رجال الدين في الدراما

وهذا ليس موضوعنا، فما الدافع لاستخدام العبارات الدينية المقدسة بهذا الوضوح، وكأنها معركة ضد الإسلام، وليس ضد تنظيم مرفوض من كل الأطراف الدينية الأخرى بما في ذلك تنظيم القاعدة؟!

لقد وجد البعض في صورة الهام شاهين بعبارة «لا إله الا الله، محمداً رسول الله» حرباً على الإسلام من النظام القائم، وسهل هو عليهم المهمة فماذا بعد ابتذال كلمة التوحيد، واللباس الاسلامي (يقصدون الحجاب). مع أن الدافع ليس العداء للإسلام.

إذا قام باحث برصد صورة رجل الدين في الدراما التلفزيونية منذ عام 1952 وحتى الآن، سيكتشف الحرص على تقديمه بأنه شخص مهزوز، منافق، مهرج، نصاب، ولم يكن هذا بسبب عداء الحكم للإسلام فلهذا أسباب عدة، ما يهمنا منها الآن هو الحرص على النيل من كل مقدس يخص الأغلبية، ومن كل قيمة، ومن كل معنى، ليتولى الحاكم بعد ذلك تشكيل الشعب، وصناعة المقدس، فكرة وصورة، المهم أن يكون هو الصانع لكل لشيء!

في الطبعة الأولى كان الحاكم العسكري مثقفاً، قارئاً، عنده سوابق في ممارسة السياسة ومع ذلك لم يصنع الدراما بشكل مباشر، فلهذا سيرهق الباحث ليتوصل لهذه النتيجة، أما الآن فالوضع مختلف فمن قال إنه مشغول عن دين المصريين، يتدخل في الدراما بشكل مباشر، وقد شاهدنا هذا في مداخلة تلفزيونية له مع برنامج «صالة التحرير» على قناة «صدى البلد» مع السيناريست عبد الرحيم كمال، وظهر موجهاً للسياسة الدرامية وأعلن عن ميزانية مفتوحة لخدمة أهدافه، في مقابل إنه أمام احتياجات الناس الضرورية فان شعاره «ما فيش.. ولو أقدر أديك أديك».
لقد دمر سمعة الدراما المصرية.

أرض – جو: قيمة المسلسل التلفزيوني لا يستمدها من البروباغندا التي تصنع له، وإنما بتدافع القنوات التلفزيونية في الخارج لشرائه، بأعلى سعر.

إلى الأعلى