أخبار عاجلة
“ليكن صباحاً”.. فيلم عن معاناة فلسطينيي 48 العالقين في الوسط

“ليكن صباحاً”.. فيلم عن معاناة فلسطينيي 48 العالقين في الوسط

متابعة بتجــرد: في عام 2014 مثل فيلم “بيت لحم” إسرائيل في منافسة جوائز الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، والتي أصبحت لاحقاً تعرف بمنافسة أفضل فيلم دولي. الفيلم يتمحور حول توريط المخابرات الإسرائيلية أشخاصاً فلسطينيين في مشاكل اجتماعية واقتصادية وإجبارهم على التعاون معها من أجل اختراق كتائب المقاومة الفلسطينية.

من المفارقات أن فيلماً فلسطينياً وهو “عمر” لهاني أبو أسعد، الذي تناول فيه الموضوع نفسه، كان يمثل فلسطين في منافسة الأوسكار ذلك العام.

خلافاً لـ “عمر” الذي لم يملك ميزانية للترويج في حملات الأوسكار، حصل “بيت لحم” على دعم من الحكومة الإسرائيلية، التي موّلت رحلة طاقم عمله وممثليه إلى هوليوود، بينما نظمت قنصليتها حفلات ترويج، دُعيت إليها. فذهبت لمقابلة أعضاء طاقمه الفلسطينيين، الممثلين وكاتب السيناريو علي وكد، الذي قال لي هناك إنه يروّج لفيلم “عمر” وليس لـ “بيت لحم”. “أرجوك قل لزملائك ألا يصوّتوا لنا” أضاف قائلاً قبل أن أترك الحفل. وفعلاً، أخفق «بيت لحم» بينما نجح “عمر” في تحقيق ترشيح للأوسكار.

وفي عام 2010، عندما مثل إسرائيل فيلم “عجمي” أثار المخرج الفلسطيني اسكندر قبطي، الذي شارك في إخراجه، غضب حكومتها عندما صرح في إحدى الندوات الهوليوودية بعد ترشح الفيلم للأوسكار بأنه يرفض تمثيل دولة لا تمثله.

ومع ذلك، مثل إسرائيل هذا العام في منافسة الأوسكار فيلم “ليكن صباحاً” المقتبس عن رواية فلسطينية، كتبها مؤلف فلسطيني هو سيد قشوع ومن بطولة ممثلين فلسطينيين، استغلوا منصة حفل جوائز “أوفير” وهي الأوسكار الإسرائيلية، التي هيمنوا عليها، للتنديد بسياسات حكومتهم العنصرية تجاههم داخل الخط الأخضر والجرائم الإنسانية التي ترتكبها بحق إخوتهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. كما رفضوا السفر الى هوليوود للترويج له في حملة الأوسكار ولم يحضر إلا مخرجه الإسرائيلي أيران كوليرين.

“الأمر معقد جداً” قال لي كوليرين، عندما التقيت به في هوليوود. “لكننا صنعنا الفيلم معاً ونسقنا كل ردود الفعل التي تشاهدها معاً. كنت أفضل أن يحضروا ويستخدموا هذه المنصة لتسليط الضوء على القضايا التي يطرحها الفيلم. أنا الآن أقوم بذلك لوحدي”.

“ليكن صباحاً” يتمحور حول سامي، فلسطيني من مواطني إسرائيل يعيش في القدس، حيث يعمل في مجال التكنولوجيا. يسافر مع زوجته وابنه إلى بلدة أهله داخل الخط الأخضر للاحتفاء بعرس أخيه، ويعلق هناك بعد أن يفرض الجيش الإسرائيلي حصاراً على البلدة لكي يعتقل فلسطينيين من الضفة الغربية يختبئون فيها. فيشتعل صراع بين أهل البلدة حول التعامل مع الحصار وحول هويتهم القومية.

“هذا فيلم عن مجتمع عالق في الوسط” يقول كوليرين. “فلسطينيو الـ 48 الذين يحملون هويات إسرائيلية عالقون بين القوات الإسرائيلية التي تضغطهم من جانب وبين ولائهم لفلسطينيي الـ 67، الذين يعانون تحت نظام عسكري مروع. والأسئلة التي تواجهها الشخصيات هي: من أنا؟ وكيف يتم تمثيلي؟”.

صراع الهوية

جواب طاقم عمل الفيلم الفلسطينيين، وجميعهم من فلسطينيي الـ 48، على هذا السؤال جاء واضحاً ودون تردد. فعندما أُدرج الفيلم في منافسة “نظرة ما” في مهرجان كان الأخير كفيلم إسرائيلي، رفضوا حضور عرضه هناك وأصدروا بياناً نددوا فيه بممارسات إسرائيل العنصرية تجاههم واحتلالها القمعي لأبناء شعبهم واتهموها بمحو هويتهم.

“أنا أوافقهم الرأي” يقول كوليرين. “جعلت إسرائيل من مصطلح (إسرائيلي) أداة لمحو الهوية الفلسطينية من خلال سن الكثير من القوانين. شخصياً، لا يهمني إذا كانت هوية الفيلم فلسطينية أو إسرائيلية. فالناس يملكون هوية وليس الأفلام. لكن إسرائيل تصر على منح الفيلم هوية لكي تمحي كيان شخص آخر”.

فُرضت الهوية الإسرائيلية على الفيلم بعد أن سنت الحكومة الإسرائيلية، خلال تصويره، قانوناً يجبر كل فيلم يحصل على تمويل حكومي على أن يُصنف إسرائيلياً. “حصل الفيلم على تمويل من فرنسا لكن الفرنسيين لم يطالبوا بتصنيف الفيلم فرنسياً” يحتج كوريلين. “السبب الحقيقي لهذا القانون هو إجبار مخرجين فلسطينيين على تعريف أنفسهم كإسرائيليين وهذا ما نعارضه”.

حاول كوريلين أن يقنع ممثليه بالحضور إلى كان واستغلال منصته العالمية للاحتجاج ضد ذلك القانون الإسرائيلي، لكنهم رفضوا. فبات هو صوتهم أمام الإعلام العالمي، يروّج لقضيتهم وينتقد ممارسات حكومته ضدهم، كما أنه نشر بيانهم على صفحته في “فيسبوك”.

“أعتقد أن هذه هي السياسة الحقيقية” يعلق كوليرين. “ألا تتجنب الأسئلة وتظن أنك أعلى منها. بل أن تكون داخل الأسئلة وتحاول الإجابة عنها بطريقة تحدث تأثيراً سياسياً، وأنا فخور للغاية بالطريقة التي تسير بها الأمور حتى اليوم”.

طبعاً، طرح الفيلم ومواقف كوليرين السياسية لا تمثل الرأي العام الإسرائيلي ودعاية حكومته بل تتناقض تماماً معهما، ما أثار تحفظ اللوبيات المناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة تجاه اختيار الفيلم لتمثيل الدولة العبرية في منافسة الأوسكار.

“تم اختيار الفيلم من قبل الأكاديمية الإسرائيلية للأفلام” يرد كيرولين. “أي 400 شخص، غالبيتهم من الفنانين، الذين يؤمنون أن منظور الأقلية الفلسطينية، وهي 20 في المئة من مواطني الدولة، يجب أن يُطرح أمام العالم. فالدعم المادي الذي حصل عليه الفيلم من الحكومة الإسرائيلية ليس تبرعاً بل هذه هي أموال الضرائب التي دفعها جمهوره الفلسطيني. 20 في المئة من ميزانية السينما الإسرائيلية هي أموال فلسطينية. أليس من المنطقي أن تُموّل أفلام فلسطينية من هذه الأموال لتطرح النظرة والسردية الفلسطينية للعالم؟”.

لكن الجمهور الإسرائيلي رفض سردية الفيلم وتعامل معه كقصة خيالية، مؤمنين أن جيشهم لا يفرض حصاراً على مواطنيه ولا يطلق النار عليهم. لكن منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، وحتى عام 1960، فرضت على مواطنيها الفلسطينيين نظام الحكم العسكري، وقتلت قوات أمنها العشرات منهم. من ضمنهم: تسعة وأربعين ضحية في مذبحة كفر قاسم عام 1965، وسبعة في مظاهرات يوم الأرض عام 1976وثلاثة عشر بداية الانتفاضة الثانية عام 2000.

تعرية الفصل العنصري إسرائيليا

“يتحدثون وكأنهم كانوا يعيشون على كوكب آخر لأن هذه الأمور ما زالت تحدث اليوم” يصرخ كوليرين مستغرباً. “هناك مشكلة كبيرة في نشر المعلومات وفي رواية القصص، ولهذا أظن أن هذا الفيلم مهم جداً للجمهورين اليهودي والإسرائيلي. فهو يقدم الوضع الحقيقي واستمرارية واقع التمييز والفصل العنصري، الذي تنكره الأغلبية. علينا أن نقاوم لكي نروي هذه القصص”.

كيرولين يستخدم أسلوباً ساخراً في طرحه للفيلم، ما يستحضر السينما الفلسطينية، التي كثيراً ما تعتمد على الكوميديا العبثية في سردها وطرحها للواقع الفلسطيني. وقد استخدم كيرولين ذات الأسلوب في إخراج فيلمه الشهير “زيارة الجوقة” عام 2007، حيث قدم قصة جوقة موسيقية مصرية تصل إلى إسرائيل لأداء عرض موسيقي في مدينة، بجانب تل أبيب، لكن أعضاءها يخطئون في قراءة العنوان وينتهي أمرهم في بلدة نائية وسط صحراء النقب.

“كثيراً ما تستخدم السينما العبثية لطرح واقع الأقلية أو واقع شخص واحد يواجه نظام الأغلبية القوي” يوضح كيرولين. “تلك العبثية كانت حاضرة في السينما والأدب اليهودي لأن اليهود كانوا دائماً أقلية، لكن السينما الإسرائيلية محت ذلك، لأنها صارت تتبنى وجهة نظر الحاكم المتسلط من خلال وجهة نظر الجندي مثلاً. فعندما قرأت كتاب قشوع، أعاد إلي وجهة نظري اليهودية والذاكرة التاريخية اليهودية وهي ذاكرة المقموعين. وهذه هي الهوية الصحيحة للفيلم وليست الهوية الإسرائيلية”.

الجدل الذي أثارته هوية “ليكن صباحا” من حيث كونه إسرائيلياً أو فلسطينياً يعكس صراع الهوية الذي تعيشه شخصياته، ويثير تساؤلاً حول ما إذا كان الإقرار بالهوية الإسرائيلية للفيلم ينطوي على مصادرة إسرائيلية للرواية الفلسطينية؟ لكن بغض النظر عن هويته، قوبل الفيلم بمديح النقاد العالميين، وسلط الضوء على التمييز العنصري الذي يواجهه الفلسطينيون داخل اسرائيل من خلال طرحه ومن خلال الضجة الإعلامية التي أثارها ممثلوه.

إلى الأعلى