“توم وجيري”.. انتصار للظلم خلف قناع مضحك

“توم وجيري”.. انتصار للظلم خلف قناع مضحك

متابعة بتجــــــــــرد: يقول المؤرخ الاميركي جيري بيك ان سر استمرار جاذبية توم وجيري يكمن جزئيا في أن الناس في أنحاء العالم يمكن أن يروا في هاتين الشخصيتين شيئاً من أنفسهم. ويضيف: «أعتقد أن معظم الناس يمكنهم التعاطف مع جيري الصغير الحجم، فكل منا يعاني من وجود شخص يضطهده. هناك دائماً شخص ما، رئيس العمل، صاحب البيت، سياسي، أو أيا كان. نحاول أن نعيش حياتنا، في حين أن شخصاً ما يحاول تعكيرها».

واستثماراً لجاذبية الثنائي الأكثر شهرة في العالم، يعرض في اواخر العام الجاري الفيلم الكوميدي «توم وجيري» احتفالا بالذكرى السنوية الثمانين لانطلاق سلسلة افلام الكرتون التي تحمل الاسم نفسه، والتي تتمتع بشعبية هائلة في كل أرجاء العالم.

الفيلم الذي يخرجه تيم ستوري هو الثالث الذي يحمل هذا الاسم وتظهر فيه الشخصيتان «توم وجيري» مع ممثلين، حيث يشارك في بطولته كلو غريس موريتز ومايكل بينيا وكين جيونغ وروب ديلاني.

قصة الفيلم

معروف ان حلقات توم وجيري لا تقدم جديدا، فما يحدث متوقع، والنهاية معروفة، والصيغة المألوفة لا تشكل تحديا او استثارة لقدرات المشاهد التفسيرية.فماذا عن قصة الفيلم؟

يحكي الفيلم قصة الفأر «جيري»، الذي يعيش سعيدا، في منزل ريفي كبير في نيو إنغلاند، حيث أصبح صديقا لمالكي المنزل، وهما زوجان مسنان طيبان. ينتهي عهد الصداقة الفريدة والمرح والسعادة، بعد وفاة الزوجين، وعرض منزلهما للبيع. وعندما تسكن البيت عائلة شابة، يعقد جيري العزم على تخويفها حتى لا تستولي على منزله، فتسارع العائلة الى اقتناء قط شارد يدعى «توم»، لمساعدتها على التخلص من المشكلة. وفي خضم معركة ملحمية على المنزل، سرعان ما يكتشف القط والفأر إعجابهما المتزايد بالعائلة، ووجوب العمل معاً لحمايتها من تهديد خارجي. وفي مجرى عملهما معاً بروح الفريق، يتعلمان معنى الأسرة والقيمة العليا للصداقة.

فهل يحقق الفيلم النجاح المنشود؟

ظهر توم وجيري في 1975 صديقين يخوضان المغامرات معاً فلم يحقق ذلك النجاح المرجو، فقد ألف الجمهور الصراع بين الخصمين، ومطاردة القط للفأر، وما يتخلل ذلك من مواقف كوميدية. لذلك من المتوقع ان يحظى الصراع والمطاردات بمساحة واسعة في الفيلم، لجذب الجمهور، ثم تأتي النهاية حاملة الرسالة التربوية المعلنة.

سلسلة غير بريئة

«توم وجيري» ظاهرة ثقافية لها دلالاتها المعرفية والايديولوجية، وتأثيرها في ثقافة الأطفال في جميع أنحاء العالم.، وقد بات الثنائي المحبوب وسيلة للترويج لألعاب وملابس الأطفال وغيرها من السلع، الى جانب الترويج لقيم سلبية عديدة، وطريقة محددة لرؤية العالم.

وبكلمات ماكس فاوست فإن هذه الاعمال «تنتج للتسلية وتنقل ايديولوجيا، ومن الصعب تحديد ما اذا كان هم منتجيها الاكبر هو التسلية أم نشر الايديولوجيا». فاستخدام قط وفأر يوفر واجهة بريئة للعرض، وأنسنة الاثنين، وتصرفهما وكأنهما صبيان، يبقي الايديولوجيا خلف قناع الامتاع والاضحاك.

ورأى توملينسون ان المسلسلات الكرتونية مثل توم وجيري ترسخ في وعي الناس ان طريقة الحياة الاميركية هي ما يريدون، وان التفوق الاميركي طبيعي واخلاقي ولمصلحة الجميع.

نصرة الظالم

وقد تعرضت حلقات «توم وجيري»، عبر تاريخها، لكثير من الانتقادات والاتهامات، حتى ان القضية وضعت على بساط البحث والمناقشة في الكونغرس الاميركي والبرلمان البريطاني، وادى النقد الى تجنب بعض السلبيات التي تضمنتها حلقات السلسلة، ولكن بعض السلبيات استمرت، ومن ابرزها اضفاء هالة من الذكاء وخفة الدم على اللص الانتهازي «جيري»، وتقديمه في صورة الضحية الجذابة التي تستحق التعاطف، حين يسرق الجبن من الثلاجة مثلا، واظهار القط الذي يقوم بواجبه في صورة الغبي عدو البطل، وذلك يحمل قيمة سلبية واضحة، فهل المطلوب تعليم الصغار نصرة الظالم «الفهلوي» واتقان وضع وتنفيذ الخطط الشريرة؟!

عنف مفرط

ونبه النقاد الى ان سلسلة «توم وجيري» المضحكة المسلية تقدم للأطفال جرعة كبيرة من العنف، واشاروا الى مشاهد الضرب بمطرقة، والطعن بسكين، والحرق، والاسقاط من اماكن عالية، واستخدام المنشار والاسلحة النارية والمتفجرات، كما نبهوا الى ان السلسلة تقدم للأطفال العنف في صورة محببة مضحكة، فمن يطعن بسكين او تطلق عليه النار لا يموت، ولا ينزف قطرة دم! وقال مات غورنغ، مبدع «ال سمبسون»: ان «توم وجيري» من اكثر المسلسلات الكرتونية التي شاهدها عنفا.

وفي عام 2016 قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر صلاح عبدالصادق: إن أفلام «توم وجيري» وألعاب الفيديو من أهم أسباب انتشار العنف والتطرف في العالم العربي!

عنصرية

واتهمت السلسلة في ستينات القرن الماضي بالعنصرية، واشير الى توظيف شخصية «مامي تو شوز»، مدبرة المنزل السوداء السمينة، كما تمت الاشارة الى تقديم صور نمطية مسيئة لسكان اميركا الاصليين وللآسيويين والنساء والاقزام.. وتم تعديل بعض المشاهد، وحلت امرأة بيضاء رشيقة تتحدث بلكنة ايرلندية محل«مامي تو شوز»، وفي ما بعد ألغيت حلقات بعد أن وجهت «أمازون برايم إنستانت فيديو» تحذيرات من مضمونها العنصري، كما تم تحت ضغط النقد حذف لقطات تظهر القط والفأر اسودين او مدخنين او يشربان الكحول.

وكان لافتا للنظر ما قاله الدكتور حسن بلخاري، استاذ الفلسفة الاسلامية وفلسفة الفن في جامعة طهران، في محاضرة نقلها التلفزيون عام 2006، من ان الهدف من انتاج «توم وجيري» كان تغيير نظرة الاوروبيين الى اليهود، التي ترسخت في القرن التاسع عشر، حيث كانوا يطلقون عليهم «الفئران القذرة»، وقد اراد صناع «توم وجيري» تغيير صورة الفأر، واظهاره ذكيا جدا، وخفيف الدم مهما كان سلوكه عدوانيا او قاسيا. واشار بلخاري الى العلاقة بين الكلمتين «جيري» و«جوري» التي تعني الشعب اليهودي.

إلى الأعلى