أخبار عاجلة
شريهان في يوم ميلادها الـ57.. أسطورة الاستعراض بين الأمس واليوم

شريهان في يوم ميلادها الـ57.. أسطورة الاستعراض بين الأمس واليوم

متابعة بتجــرد: توارت الفنانة المصرية شريهان سنوات طويلة، لكنها ظلت نجمة عندما تعود تخطف الأضواء، وبقي جمهورها وفيا لها، كإنسانة وفنانة، وباتت فزورة يصعب حل ألغازها بسهولة، وأيقونة فنية يصعب تكرارها.

تحتفل شريهان اليوم السادس من ديسمبر بعيد ميلادها ال 57، وهو أول احتفال لها بعد العودة إلى عالم الفن بمسرحية “كوكو شانيل” وحملة إعلانية خطفت قلوب وأنظار محبيها، وفتحت الباب مجددًا أمام حلم عودتها إلى شاشة السينما وعالم الدراما، بعدما أثبتت أنها لا زالت تحتفظ برشاقتها المعتادة وحضورها الآسر أمام الكاميرا.

لم يعاصر الجيل الحالي الفنانة شريهان، لكن عددًا كبيرًا منهم سمع عنها وتوقف أمام الكلمات العاطفية التي انهالت عليها ممن عاصروها خلال فترة تألقها وقبل اختفائها، وهناك من تمايل مع أغنيتها في الإعلان الترويجي، بينهم الإعلامي عمرو أديب الذي اعترف على الهواء بأنه انتفض ليرقص كما الطفل بمجرد أن شاهدها على الشاشة.

غياب لا يعوّض

ارتبط الحنين إلى شريهان وعصرها الفني بكونها منحت حياتها لتسعد الناس عبر فوازير وأفلام ومسرحيات مثلت لجيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي معنى حقيقيا للبهجة والمتعة الفنية.

لا تدرك مطربات وممثلات وراقصات كثيرات حاولن تعويض غياب شريهان، أنها عندما خرجت من المشهد الاستعراضي بدت كمن يوصد الباب خلفه لظهور موهبة تنافسها الريادة، فإذا كانت شريهان خليفة للفنانة نيللي، فلم تأت واحدة بعدها لتعلن عن وراثتها لعرش الاستعراضات.

وصفت بالموهوبة التي أدت أدوارها التمثيلية بالروح والجسد وقدمت استعراضات مصحوبة بالمرح وخفة الظل، واستطاعت بمرونة المزج بين العديد من الفنون في توقيت واحد، الرقص والغناء والتمثيل والاستعراض.

أحبها جمهورها بطريقة قد يصعب تكرارها، ولقبها بحسناء الشرق، وكان موعد عرض فوازيرها كل مساء في رمضان، تخلو فيه الشوارع من المارة تقريبا، وتجتمع الأسر المصرية أمام الشاشة للاستمتاع بها والتفكير في حل ألغازها التي تقدمها على الشاشة، وبدت لكثير من الشباب فتاة أحلامهم، ورأت فيها فتيات مثلا أعلى وأيقونة للفن والجمال والموسيقى.

احتفظت شريهان بصورة عجيبة لدى قطاع كبير من جمهورها، على الرغم من انسحابها من الساحة الفنية وهي في ذروة تألقها، بفعل ظروف صحية صعبة، وعندما عادت مع بداية شهر رمضان لم تفقد بريقها، ما أثار دهشة عشاقها عن سر مرونتها بعد أن تجاوزت الخمسين عاما، وبحثوا عن أسباب احتفاظها برشاقتها.

تأثر كثيرون بالطريقة التي ظهرت بها شريهان في إعلانها الدعائي ومسرحية “كوكو شانيل” بعد اختفاء فني طويل، فلخصت هذه العودة رحلة حياتها ومعاناتها وانكساراتها حتى ظهرت مجددًا قوية لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها، وبعثت برسالة أمل لجمهورها ومن اعتقدوا أنها فارقت الحياة الفنية، وتنير الطريق لهم ليعبروا الصعاب.

قالت شريهان في الإعلان “راجعين أقوى وطايرين، وعلى مين، عالصعب فحياتنا متعودين، الدنيا بقت لعبتنا، ومكملين، مهما الدنيا تحدتنا تتحدى مين، وعلى مين؟”، فقد أرادت أن تعود بطريقة استثنائية وتصبح ملهمة للسعادة والبهجة.

عرفت شريهان (57 عاما) بين الجمهور بأنها نجمة الأحزان قبل أن يمنحها لقب فراشة السعادة، لما مرت به في حياتها من صدمات حياتية. وقد ولدت لأسرة مصرية ميسورة، ووالدها المحامي الراحل أحمد الشلقاني الذي تزوج من والدتها سرا، وهي أخت غير شقيقة لعازف الغيتار الراحل عمر خورشيد.

دفعت فاتورة باهظة لزواج والدتها سرا، حيث توفي والدها وأنكرت عائلته نسبها إليها، واتهمتها بادعاء النسب لتشارك في ميراثه، وخاضت معارك قضائية كثيرة وهي في ذروة شبابها حتى أثبتت المحكمة نسبها لوالدها أحمد الشلقاني.

وجدت في شقيقها عمر خورشيد الأب والأخ والصديق والسند، حيث وقف بجوارها لتحقيق حلمها بأن تكون نجمة تلفزيونية، كما تريد هي ووالدتها، وأحضر لها أشهر المدربين لتتعلم فن الإلقاء، وجلب لها خبراء لتتدرب على الرقص والأكروبات.

طاقة لا تعرف اليأس

كانت تعيش مع والدتها في نفس البناية التي يعيش فيها عمالقة نجوم الفن آنذاك، أمثال فاتن حمامة ورشدي أباظة وسامية جمال وليلى فوزي، وعلى بعد أمتار قليلة من منزلها، كان يسكن عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، ما جعل الفراشة الصغيرة ترث مبكرا كل ألوان الفن.

علاقة شريهان القوية بأخيها الموسيقار عمر خورشيد سهلت لها مهمة التواصل المباشر مع كبار رموز المهنة، وأصبحت مدللة عندهم، تغني وترقص أمامهم وهي طفلة. بدأت حياتها بالمشاركة في برامج الأطفال، وبعدها أنتجت لها والدتها “مسلسل المعجزة” كأول عمل تلفزيوني درامي، وأعجب بها الفنان محمد صبحي، وتبناها وعلمها دهاليز المسرح، وانطلقت بعدها لتشارك في أكثر من عمل درامي مخصص للصغار وهي لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها.

تعرضت لصدمة كبيرة مع رحيل خورشيد سندها في مشوارها الفني، خلال حادث سير، وتلقت نبأ وفاته في أثناء وقوفها على خشبة المسرح أمام الفنان الراحل فؤاد المهندس، وقت عرض مسرحية “سك على بناتك” عام 1981، ومن حزنها على رحيله أصيبت بشلل مؤقت جعلها عاجزة عن الحركة لفترة، وبعد فترة جاءتها صدمة أكبر مع وفاة والدتها.

تغلبت على أحزانها وعادت رافضة التراجع خطوة واحدة إلى الوراء، بعدما وضعت قدميها على سلم النجومية والوصول إلى مكانة عجزت الكثير من نجمات السينما والتلفزيون وقتها عن الوصول إليها، وساعدها الأب الروحي لها الفنان فؤاد المهندس، حيث وقف بجوارها حتى خرجت من دوامة اليأس.

عادت بأعمال سينمائية مازالت محفورة في أذهان الجمهور، مثل “العذراء والشعر الأبيض”، و”خلي بالك من عقلك”، و”شارع السد”، و”الخبز المر”، وزاد توهجها في الفوازير الاستعراضية ومن أشهرها، “ألف ليلة وليلة”، و”حول العالم”، و”حاجات ومحتاجات”.

اضطرت للابتعاد عن الفن لفترة طويلة إثر تعرضها لحادث بسيارتها عام 1989، تسبب في إصابتها بكسور بالغة في القدمين والعمود الفقري، ما استدعى سفرها إلى فرنسا لإجراء أكثر من عملية جراحية.

في كل مرة، كانت تواجه صدماتها بهدوء، وتختلي بنفسها حتى تقوى، لا تريد أن تكون فنانة تبث اليأس والإحباط في نفوس الناس، بعد رحلة طويلة ظلت فيها مثالا للجمال والبهجة، حتى تعرضت لمحنة أكبر بإصابتها بمرض السرطان.

صناعة الأمل

كانت التجربة بالغة الصعوبة، خرجت منها بأعجوبة، وأمام إحساسها بعدم القدرة على تقديم نفسها للناس كفراشة تتمايل وتتراقص، قررت أن تكون ملهمة على هيئة ثائرة تمردت ضد النمطية والتقليدية والفتاوى الدينية التي كانت تحرم رقصها وفوازيرها وملابسها الاستعراضية، وتحدت أزماتها وأحزانها، وتمسكت بأن تظل الفنانة التي ارتبط اسمها بصناعة الأمل.

منذ العام 2002 انقطعت علاقة الفنانة شريهان بالعمل الفني، لدرجة أنها لم تقدر على التواجد اثناء حفل تسليمها جائزة مهرجان الاسكندرية كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم “العشق والدم”، واكتفت برسالة حزينة كشفت فيها للمرة الأولى عن مرضها الخطير وطلبت الدعاء.. والمؤكد ان السماء كانت مفتوحة على مصراعيها فكتب لها الشفاء بعد رحلة علاج مريرة بالكيماوي والاشعاع، والعشرات من عمليات التجميل المتلاحقة لبناء نصف وجهها الأيسر من جديد، واستعادة جانب كبير من سر جمالها “شعرها” علما بأنه في الحقيقة أقصر بكثير الآن مما يظهر بالصور، وفي هذه الرحلة رزقت بابنتها الأولى لولوة والثانية تالية القرآن، وتولت رعايتهن الضرة “إسعاد يونس” التي حولتها الأزمة لشقيقة حقيقية.

اختفاء شريهان واكبته العشرات من الشائعات حول عودتها للعمل الفني، فأعلن عام 2007 عن استعدادها للعودة بمسلسل إذاعي يبث طوال ليالي شهر رمضان، ثم تردد أنها بصدد تسجيل أدعية دينية للشهر الفضيل ابتهالا بتجاوزها رحلة العلاج، ثم قيل انها اختارت “أبو الفنون” المسرح للعودة لعالم الأضواء، وبعدها أكد أحد المنتجين أنها وقعت على بطولة عمل سينمائي استعراضي، وتجاوزت الشائعات حدود السحاب، عندما انتشرت أخبار تؤكد أن الفنانة نيللي وافقت على تقديم الفوازير مجددا بالتعاون مع النجمة شريهان.

المشروع الأقرب للحقيقة كان ” دموع السندريلا ” المقتبس عن مأساة النجمة سعاد حسني وبعدسة المخرج الراحل محمد خان، ومن تأليف زوجته الكاتبة وسام اسماعيل، ولكنها اعتذرت تماما وأغلق خان المشروع برمته، بينما كانت أغلب أنباء عودتها للفن غير دقيقة، لأسباب عديدة، منها أن وجه شريهان حتى العام 2013 كان يعاني من جروح غائرة بالجانب الأيسر، ورغم خضوعها لعمليات تجميل حديثة لزرع عضلات بالوجه وترميم عضلات الفك الا أنها لا زالت ترفض إظهار هذا الجانب كاملا، وتفضل أن تخفيه بخصلات شعرها، كما أنها حتى اللحظة ولآخر يوم بعمرها مرتبطة بالفحص الدوري كل ستة أشهر للتأكد من عدم عودة المرض اللعين وهو اجراء متبع مع كل المتعافين من السرطان خوفا من انتشاره بأماكن أخري بالجسد.

عودة أسطورية

بعد 19 عاما قضاها جمهورها في انتظار العودة إلى عالم الفن بلا ياس، كان أول أيام رمضان الماضي الموعد المنتظر، حيث ظهرت شريهان في حملة إعلانية مستوحاة من قصة حياتها باعتبارها رمزا للتحدي والصمود.

الإعلان تدور فكرته حول كيف بدأت نجوميتها بحلم الشهرة، ثم دخول عالم الاستعراضات مع الفوازير، وانتهاء هذا الحلم بعد تعرضها لحداث سيارة تسبب في خضوعها لعدة جراحات في الظهر، وبعدها أزمتها الصحية الشهيرة، وكيف انتصرت على كل هذه الصعوبات وعادت لتتألق من جديد.

وقدمت شريهان الإعلان بطريقتها الاستعراضية المميزة واستوحت أجواء فوازير ألف ليلة وليلة، بمشاركة فرقة راقصة سبق وان شاركت معها في تصوير مسرحيتها التي لم تعرض بعد “كوكو شانيل”.

واستبقت شريهان عرض الإعلان بتوجيه رسالة مؤثرة إلى جمهورها الذي دعمها منذ غيابها عام 2002 إثر أزمتها الصحية الصعبة، وقالت إنها تنتظر لحظة العودة لإمتاع هذا الجمهور بفارغ الصبر.

شريهان نشرت الرسالة كاملة عبر حسابها بموقع الفيس بوك وموقع تويتر، وقالت: أنا بعيش لحظة إنسانية صادقة، لحظة إنحناءة شكر من قلبي وعمري لكم جميعاً ودون ترتيب ولا إستثناء، لحظة انتظرتها كثيراً لرد جميل في رقبتي من سبتمبر ٢٠٠٢، مشاعري كلها متلخبطه لكن سعيدة.

تابعت قائلة: كنت بكتب، بكتب وبكتب، رسائل كتييير لا يعلمها غير ربي وأبعت لكم وأحلم بثانية إحتضاني وإنحناءة شكر لكم جميعاً، ولكن كلها كانت من طرف واحد، مكنتش عارفه ازاي اقدر اقولها لواحد واحد فيكم و بنفسي!! ولو عليا.. كنت عايزه ادخل بيت بيت وزقاق زقاق وشارع شارع وحارة حارة وكل حي ومدينة وقرية..

وواصلت: وفي هذه الأيام الكريمة وهذا الشهر العظيم، عايزه اقولكم أنا متشكرة أكتر من جداً. حبتوني احترمتوني احتضنتوني وبحبكم ودعائكم شفيتوني ولسه بتشفوني.

واختتمت رسالتها بقولها: شكراً و ١٠٠ مليون انحناءة شكر وقبلة على جبين كل واحد بدايةً من أصغر مولود ومواطن مصري وصولاً لآخر انسان في العالم.. شكراً، شريهان منكم وبكم ولكم للأبد.. حبكم حياة رمضان كريم.

نجاح الحملة الإعلانية منح شريهان الثقة لتفرج عن مسرحيتها الاستعراضية كوكو شانيل التي عرضت عبر إحدى المنصات المشفرة وحققت نجاحا غير مسبوق علقت عليه شريهان قائلة: أنا فرحانه وسعيدة.. فخورة إني قدرت أسعدكم، سعادة تليق بشرف انتظاركم وحبكم واحترامكم وتقديركم.

أضافت شريهان: وهكذا في نظري وقلبي ودمي وفكري، الفن لا بد أن يكون، ولازم أن يكون دون أي تنازل في كل وأي شئ.. ونعم يا حبيبتي حولوا كل محنة إلى منحة.. هذا أنا.

شريهان تستقبل اليوم عاما جديدا.. فهل تواصل عودتها “المحسوبة” إلى عالم الفن، أم تكتفى بما حققته من نجاح مدوى.. سؤال إجابته الوحيدة لدى شريهان نفسها وسنعرفه خلال الشهور القليلة المقبلة.

إلى الأعلى